|


أحمد الحامد⁩
عالم من الإعلانات
2021-05-12
من السلوكيات التي رُصدت عن بعض الصائمين، مشاهدتهم لبرامج الطهي أثناء صيامهم، وللمقاطع التي تُظهر الشيف وهو يستعرض نتائج طبخته المليئة بالدهون غالباً، لكن هذا الاهتمام يتلاشى بمجرد أن يتناول الصائم إفطاره، ولا يعود عقله يستقبل أي إشارات من المعدة.
والمتابع للفضائيات والسوشال ميديا قد ينتبه أن مواعيد ظهور معظم الإعلانات عن المنتجات الغذائية هي في ساعات الصيام وقبل الإفطار، وهذه عملية مدروسة من خبراء التسويق الذين ومن خلال الخبرة والتجارب، اكتشفوا أن الجائع يفكر من معدته، وعرفوا أن هذا هو التوقيت المناسب للحصول على أكبر قدر من النقود التي في جيبه. نحن يا أعزائي مهمون جداً لأن هناك من يدرس سلوكنا، قد لا نكون نحن المهمون بل الأموال التي في جيوبنا.
كنت أعتقد أن دراسة سلوك الإنسان من أجل الأغراض التجارية أمر غير إنساني، وفيه استغلال كبير لنقاط ضعفه وبراءته، دون النظر إلى التزاماته ومسؤولياته، واكتشفت أن مثل هذه الدراسات لا يطلق عليها استغلالاً في عالم التجارة، بل مهارة في علم التسويق، وتعتمد على التوقيت في العرض، أشعر بأن هذا التنبيه الذي كتبته جاء متأخراً، فلم يتبق من الشهر الكريم سوى هذا اليوم الأخير، وأظن أن الدافع الذي جعلني أكتب عن الطعام والمعدة والتسويق، هو دافع الرجل الذي نجح المسوقون في خداعه، لكنه لم يكتشف خطتهم إلا بعد فوات الأوان.
شيء آخر ونحن نودع رمضان، لماذا نستغني عن بعض الأطعمة بعد شهر رمضان؟ الشوربه الأساسية على سفرة الإفطار مثلاً، لماذا تصبح ضيفة شرف في موائد ما بعد رمضان، لماذا لا نبقيها أساسية طالما أنها لذيذة وفاتحة للشهية؟ لماذا تختفي المعجنات اللذيذة؟ هل لأن الإعلانات عن الشوربة والمعجنات وبعض الأصناف تتوقف بعد رمضان؟ إن كانت الإجابة نعم فإلى أي درجة يقودنا الإعلان بعد أن صار يختار لنا أطعمتنا ويحدد أوقاتها؟ ولكن هل الإعلان يتدخل في اختياراتنا لطعامنا فقط؟ أم صار المعلنون يعرفون ماذا سنشتري بعد مدة لأنهم من يحددون ذلك؟
قبل أسبوع اشتريت سماعات صوت للاستديو، عندما أحضرتها وجدت نفسي أضعها بجانب السماعات التي استخدمها وهي صالحة للاستعمال، بل ممتازة، تلمست ما تبقى من شعر رأسي وتساءلت عن السبب الذي جعلني أشتري شيئاً لست بحاجته، جلست أفكر بعد أن أخفيت السماعات لكي لا يراها ابني الذي كنت أحاول تثقيفه بألا يشتري ما ليس بحاجته، وألا تقوده الإعلانات على حساب أولوياته والتزاماته، تذكرت بأنني شاهدت السماعات التي اشتريتها في إعلان قبل عدة أشهر، واطلعت على تفاصيلها في الموقع الإلكتروني، أعجبتني حينها، ثم ظهر لي الإعلان مجدداً بعد فترة أكثر من مرة وأنا أتصفح بعض المواقع، وعندما شاهدت السماعات في المحل وجدت نفسي أمد يدي إلى جيبي دافعاً ثمنها، وخرجت وأنا أحملها سعيداً! برافو توني. “غالباً أن مدير حملة التسويق للسماعات التي اشتريتها اسمه توني”.