|


أحمد الحامد⁩
أمنية ملغيّة
2021-07-01
من المعروف وفي مخيلتنا أن التغريد هو ما تصدره بعض أنواع العصافير من ألحان أخاذة، لكن المخيلة تغيرت مع وجود تطبيق تويتر، فليس كل التغريدات البشرية تشبه تغريد البلابل، بعضها عبارة عن حروف حادة تشبه سكينًا لا كلمة، وتجرح ولا تطرب كما تُطرب العصافير عندما تغرد.
التغريد اليوم لا يعني حتمًا أنه ألحان أصوات البلابل. عمومًا ولكي أهوّن الأمر.. نحن لا نعلم ما تقول البلابل عندنا تصدر أصواتها، ربما تعاتبنا على وضعنا لها في أقفاص صغيرة، ربما تشكو من هذه القسوة، ربما تقول إننا نصادر حقها في الطيران ونقتل فرصتها في تحقيق أحلامها المشروعة. سبق أن تمنيت لو كنتُ طائرًا، أحلّق بعيدًا بخفة، وأسبح في تيارات النسيم المنعشة، متجنبًا مشاكل البشر التي أشارك في صناعتها لكنني طبعًا لا أعترف بذلك، أو أجد المبرر السريع والأسهل لنفسي، مثلي مثل غالبية البشر. أعود لأمنيتي بأن أكون طائرًا وكيف تخليت عنها، كان مبدأ الأمنية أن الطائر حر، يحلق متى وكيفما أراد، لا حدود تمنعه ولا مصاريف سفر وتكاليف إقامة، لكنني اكتشفت بعد أن تعمقت في الأمنية، أن الطائر معرض دائمًا للهجمات، وأن يكون وجبة للحيوانات على الأرض وللطيور الشرسة مثل الصقور والنسور في السماء، كما أنني لا أريد أن أكون صقرًا أو نسرًا ألتهم الطيور الأضعف، قد تكون هذه الطيور الضعيفة في مهمة لإحضار الطعام لصغارها الجوعى، قد يكون الطائر الصغير الذي سألتهمه في رحلة من أجل استكمال بناء العش الذي سيجمعه مع رفيقة حياته. هكذا ألغيت فكرة أن أكون طائرًا. بعد مدة عادت الفكرة مرة ثانية وأنا أشاهد البجع والبط في بحيرة من بحيرات مقاطعة سري البريطانية، كانت بحيرة ساحرة وآمنة جدًا، فلا صيادون هنا، كما أن هناك الكثير من النباتات الكبيرة التي أستطيع الاحتماء بها فيما لو كنت طائر بجع وهاجمني أحد النسور أو الصقور، بالإضافة إلى الغوص تحت الماء، كانت أمنية مناسبة، فالمكان هادئ والطعام متوفر، كما أن الكثير من البشر يقدمون الطعام بنثره على مياه البحيرة، مقابل رؤية الطيور عن قرب، أو لاكتساب المشاعر التي تتشكل من فعل الخير. هكذا تصورت أمنيتي مدة من الزمن من أن أكون أحد طيور البحيرة، حتى جاء اليوم الذي تخليت فيه عن الأمنية وهذا الخيال بصورة نهائية، اتفقت مع عائلتي أن نذهب إلى البحيرة القريبة واشترينا الطعام المخصص للطيور، كنت متحمسًا لأنني سأزور خيالي الهادئ والمسالم، ما إن وصلنا وبدأت في نثر الطعام فوق المياه حتى بدأت الطيور بالتجمع والتهام الطعام، ثم تكاثرت من كل صوب، ومع أنني كنت أنثر الطعام بكثرة وكان الكثير منه فوق المياة وكافيًا لهم، إلا أن بعض الطيور منعت طيورًا أخرى من التهام الطعام، ثم تقاتلت فيما بينها، ورأيت البجع يضرب بجناحه الطيور الصغيرة، ورأيت أصناف البط تضرب بمنقارها أصناف بط أصغر حجمًا، لقد تحول المكان إلى ساحة معركة، بينما كان الطعام وفيرًا، ثم وجدت نفسي أقول وبصوت مسموع: أأنتم كذلك أيضًا!