|


أحمد الحامد⁩
جمال حياتنا العادية
2021-07-27
مع هذا العالم التقني، الذي يُصدر لنا يوميًّا عشرات الفيديوهات والاقتباسات عن النجاح، نحتاج إلى أن نهدأ، ونلتقط أنفاسنا، وننظر بعين عاقلة لما نسمعه ونقرأه، فأغلبه ذو مضمون واحد: حقق الثروة لكي تكون ناجحًا! وكأن النجاح مرتبط بتحقيق الثروة فقط.
شخصيًّا مللت من هذه الفيديوهات، وصرت أعتقد أن بعض المشاهير في عالم تطوير الذات أصحاب مشروعات خاصة عبارة عن صناعة فيديوهات، وكتب تدرُّ عليهم المال، حتى وإن بدا ما يقولونه في مصلحة المتلقي، كونهم يحثونه على تحقيق الثروة، كما أن كلامهم غير عملي وغير علمي أيضًا. لماذا يختصرون النجاح في أصحاب الثروات، وهل يمكن أن يصبح كل سكان العالم أثرياء؟ نصفهم؟ نصف النصف؟ لا يمكن أن يحصل هذا، فلا المال المطبوع، ولا حتى المال الرقمي يكفي لأن يجعل 15 في المئة من سكان العالم من أصحاب المليارات، أو الملايين. المؤسف أن مثل هؤلاء يؤثرون سلبًا في بعض السعداء، لأنهم يحاصرونهم بفكرة تحقيق الثروة، فيزهد السعيد بسعادته، لأن هناك مَن أقنعه بأنه لا يملك شيئًا مثل الأثرياء المشاهير. لم أسمعهم يومًا يقولون: حافظ على مكتسباتك، وأن الله كتب لك رزقك بأشكال مختلفة، صنعت لك السعادة والطمأنينة التي جعلتك تضحك حتى تدمعك عيناك. بالمصادفة شاهدت فيديو مترجم، يتحدث فيه أحد المختصين في علم الاجتماع عن التأثير السلبي للمحتوى الذي يربط النجاح بتحقيق الثروة فقط. أكتب لكم حديثه الذي ترجمه حساب ترجمات “إذا دخلت متجر كتب في أمريكا، ونظرت إلى قسم تطوير الذات، فستجد نوعين من الكتب، أول نوع يخبرك كيف تجني مليون دولار في يوم، والنوع الآخر يخبرك كيف تتأقلم مع قلة الثقة في النفس، وكلا النوعين يرتبطان، إذا كنت تعيش في ثقافة تخبرك كيف تجني مليون دولار في يوم، فستكون لديك مشكلة هائلة في الثقة في النفس، لأنك كيف تحقق الثقة في نفسك بينما أنت جزء من 99 في المئة وليس الـ 1 في المئة؟ من الأكيد أن معظمنا سيحظى بحياة عادية، لكننا بنينا عالمًا لا تكفي فيه الحياة العادية. هذا جنون، هذا شكل من أشكال تعذيب الذات، بتنا نعيش في عالم تتمتع فيه الحياة العادية بكافة سبل الراحة. إذا كانت حياتك عادية، فستمتلك سيارة جيدة، وستتمكن من الاستحمام كل ليلة، وسيكون لديك منزل، وسيكون لديك الطعام، إذًا من ناحية مادية الحياة العادية مذهلة، لكننا وضعنا السم في العسل. أفسدنا النعيم الذي بنيناه وبناه لنا أسلافنا بإخبار أنفسنا بأنه على نقيض ما كنا نأمله. الحياة العادية ليست جيدة كفاية، لا يكفي أن تقود سيارة عادية، وتعيش في منزل عادي، وتستحم كل يوم في حمام عادي، وتتناول وجبة عادية، لا، هذا ليس جيدًا كفاية، تحتاج لأن تكون حياتك غير عادية، أن تصبح مثل مارك زوكربيرج، أن تصبح شخصًا آخر. هذا نوع من التعذيب الذي نفرضه على أنفسنا! أصابنا الجنون، كيف تحولت الحياة التي صنعناها لأنفسنا، التي يحتمل أن نعيشها بنسبة 99 في المئة، إلى النوع الخاطئ من الحياة؟ هذا توجه كارثي”!