|


د. عبد الرزاق أبوداود
«قارعة النسيان»
2021-09-05
حتى عهد قريب كان المشهد الرياضي متباينًا في مصادره المالية، فكان هناك ما يسمى بالأربعة أو الخمسة الكبار، وهي الأندية الأكثر ثراءً وجماهير وبطولات، وقدرة وطموحًا على استقطاب أفضل اللاعبين محليًا وخارجيًا.
وبالتالي كانت هذه الأندية “تتداول” بينها بطولات كرة القدم السعودية، و”تهيمن” على المشهد الرياضي، وهي الأقدر ماديًا وشرفيًا وجماهيريًا وإعلاميًا واستقطاب لاعبين مميزين، وأندية أخرى كانت قابعة على “قارعة النسيان” بانتظار دعم رسمي محدود، مع قدرات ذاتية ضئيلة، وكان “الكبار” قادرين على استقطاب العناصر الأفضل محليًا وخارجيًا، ومن ثم “احتل” هؤلاء معظم المسابقات المحلية، وبالتالي انقسمت كرة القدم السعودية إلى “فسطاطين” أولهما: فسطاط “الكبار” جماهيريًا وشرفيًا وماليًا وعناصريًا، أو أندية النخبة ممثلة في: الهلال والنصر والأهلي والاتحاد والشباب والاتفاق، وفي الجانب الآخر، كانت بقية الأندية
تقيم في “أتون” الفسطاط الثاني الذي يضم الأندية ذات الموارد المحدودة، حتى لا نقول فسطاط الفقراء مع كامل الاحترام!
وفي السنوات القليلة الماضية انقلبت الأمور، فبادرت “الجهة الرسمية” بإعادة النظر في طرق وحجم الدعم المالي الذي تقدمه الدولة ـ حفظها الله ـ للفرق السعودية، وبالتالي تحول ذوو “فسطاط الفقراء” أو محدودي الدخل إلى “الفسطاط الأول”، وأصبح بإمكانهم الحصول على الدعم المتاح للكبار، وقد يتساءل البعض عن كون مجموعة “الكبار” لا زالت “مهيمنة” على المشهد الكروي المحلي؟!
والواقع يشير إلى أن الدعم موحد، ويعتمد على آليات تنافسية نظامية مقننة، تضخ دعمًا ثابتًا موحدًا للجميع، ومثله كذلك جزء ثان متاح وفق الملاءات المالية والضوابط المتوفرة لكل الأندية، وهكذا انعكس هذا “التنظيم الجديد” على مسابقات الدوري السعودي خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما تظهره الإحصاءات والجداول التراتبية لفرق الدوري ونتائج المواجهات كافة في المواسم الثلاثة الأخيرة، التي لم تعد تخضع للكبار، وهي متاحة للجميع.
كان الدعم ولا زال عاملًا مهمًا في تطوير كرة القدم السعودية، بالرغم من الصيحات والنداءات ـ من هنا وهناك ـ حول تأثيرات سلبية تطال المواهب الوطنية السعودية، نتيجة لوجود 112 لاعبًا أجنبيًا ضمن فرق دوري كأس الأمير محمد بن سلمان، وغيرهم في الدرجة الأولى، مما أسهم في محدودية عدد اللاعبين السعوديين المتاح لهم الانضمام إلى ركب المنتخبات الوطنية، ولا شك أن الدعم الرسمي للأندية السعودية كان خطوة مميزة نحو تطوير الكرة السعودية، غير أنه لا بد من دراسة “الآثار السلبية” لهذا الدعم وسبل معالجتها، بدءًا من تقليص عدد اللاعبين الأجانب المتواجدين بأنديتنا الوطنية.