|


أحمد الحامد⁩
عيون العاطفة
2021-09-06
على المرء أن يجري الفحوصات الدورية لعاطفته ويتأكد من سلامتها، لأن العاطفة قد تصبح عمياء، وإذا ما أصبحت عمياء فإنها تلغي العقل حتى لو كان صاحبه دكتور الدكاترة، وإمبراطور الجامعات وأمير الفلاسفة.
تجربتي مع عاطفتي العمياء طويلة، وأزعم أنني الآن ألبستها نظارات سُمك زجاجها بحجم قاعدة “بيالة الشاي” وأنا هنا لا أضع نفسي فقط موضع الرجل العاطفي الذي ورطته عاطفته، لا بل إن هناك من ورطتهم عاطفتهم معي كذلك، لكنني بعد مرور كل هذه السنوات خرجت بنتائج هي محصلة ضعف نظر العاطفة سواء التي صدرت مني أنا أو التي استقبلتها وخذلتُ أصحابها.
الإنسان كائن اجتماعي لا يطيق الوحدة، ويحتاج إلى التكلم والأصدقاء مثل حاجته للشمس والظل، وإذا ما تعرف على أحد وأصبح صديقه فإنه ينظر تجاه هذا الصديق بمحبة وعطف، وهذا أمر طبيعي، أما غير الطبيعي هو قبول آراء وأفكار هذا الصديق بتأثير العاطفة دون وعي، لأن هذا الصديق الذي تحبه قد يكون عقله على قده، بمعنى ليس كل من تحبه هو الأفضل، وقد يكون الأسوأ عليك وفي قربك منه ضرر كبير لك، لكنك قد لا تكون منتبهاً لأنك تفكر بالعاطفة لا بالعقل، ولا تتكشف لك الحقائق إلا بعد مدة، تكون حينها دفعت ثمناً باهظاً، وثمناً نفسياً آخر هو عبارة عن لومك لنفسك بسبب الأخذ بنصائح صديق هو أحوج للنصائح ولتعديل نفسه.
قد تنحاز لصديقك ضد أحد ما، ودون شعور منك تجد نفسك في خصام مع هذا الذي يخاصمه صديقك، ونصف الحقيقة على الأقل التي لا تراها بسبب العاطفة العمياء هي أن صديقك قد يكون على خطأ كامل، قد تفكر فكرة من اختصاصك وقد تكون فكرتك رائدة، لكن صديقك الذي تحبه ولا علاقة له بتخصصك سخّف من فكرتك، ووجدت نفسك تُميت الفكرة، مع أنه لا يعرف ما تعرفه، هنا تكون عاطفتك العمياء هي التي تتصرف عنك، وتقودك لقبول آراء شخص أقل من مستوى فكرتك ورؤيتك وطموحك.
اليوم أرى أن العاطفة العمياء من أكثر المتسببين في ارتباك الناس وفشلهم، لأن لكلمات محيطهم أثر عليهم، ولأنهم وإن تميزوا بعقل نبيه إلا أنهم ودون شعور وضعوا هذا العقل على وضع صامت ولم يعطوه فرصة الكلام والتفحص، وقدموا العاطفة العمياء. يقول فيليب لي بون عن ضرورة قيادة العقل للعاطفة “اتزان العاطفة سمة الإنسان الناضج”، ويقول مايكل كولنز زميل نيل آرمسترونج في رحلة القمر “كل إرادة لا تتغلب على العاطفة تنهار وتفشل”.