|


تركي السهلي
التقاء الإرث
2021-09-27
الصحراء لا تموت. الإبل لا تغيب عن مواطنها. الدرعيّة لا تُنسى من التاريخ. النقوش السحيقة لا تُكتب على الماء.
عمقًا، كان التقاء الإرث والموروث، بين الدلالة والمكان، بين الصورة واللون، والاستدعاء، الذي لا ينفصل عن الحاضر. كان يومًا ذهبيًا عند الثالث والعشرين من سبتمبر 2021، حينما اجتمع الماضي والقصر والصفحات غير المنزوعة من الكتاب القديم والأعمدة الثابتة على الأرض المبنية من الجذور الواصلة السماء من الطهر ومواقع الأبطال. لم تكن الخطوات الآخذة إلى حي “طريف” التاريخي مجرّد مسافات مقطوعة، بل أخفافًا تترك أثرها على واجهة الزمن وفي صدور الرجال حفظًا للمعارك وللأدب وللكتابة وللقصص المروية تحت ظلال النخيل.
لقد نفّذ نادي الإبل منشطًا وطنيًا احتفاءً بيوم التوحيد، وأتى الجميع ليوثّق رحلة النصر من البوابة إلى وادي حنيفة، فحضرت عند الأبواب هامات القلاع وسواري الطين ومآذن الصلاة والسلالة المحفوظة من جملٍ عن جمل ومن ناقةٍ عن ناقة. الأوطان، التي لا تعرف رائحتها، لا ذائقة لها، والمدن، التي تمحو سجل الذكريات، لا عناوين لها ولا مصادر.
درعيّةُ المجد.. لا سيفٌ بلا غمدٍ
درعيّةُ النوق.. للحصنِ أفراسُ
مسيرة طويلة وشواهد لا تغيب ورحلة كانت من البدء وانتهاء إليه واكتمال النهايات جوهرًا ظاهرًا بالبريق والثبات ونقطة لا عودة معها إلاّ للاستذكار وقتل الشتات من جديد. لذّةُ هي واستطعام.. قصص الحنين وأشكال ذات السنام وعلاقة الإنسان بمن حوله من الواقفات على الوجود والواقفين على الوصايا والأمانة الصامتة.
إنّ الوصول إلى المورد راحة ونعيم، ومرافقة الشمس في الرمل والحجر رحيل قاس، والاكتفاء بالإبل غنىً ونماء، والجلوس إلى جانبها أُنس ورخاء. لقد تتابع الانقراض، ولم يُستدل إلاّ بالأحافير، لكنّ البعير في موطنه محفوظ بين الذكر الربّاني وبين الخطوط في كف البدوي، الذي يمسك بالخطام من أجل التوجيه نحو المنبع والمرتع وممرات السنين.
لقد أعطى الرجل ناقته الجغرافيا فأعطته الحياة، فاستمرت الثنائية، وطالت الرفقة، واستطاب العيش. لا مشكلة لدى العربي في السفر نحو الغرف الحجريّة والمبيت على أسرّة الخشب أو الحديد وتحمّل شعور الضيق من الحدود والنوافذ والمصابيح الكهربائية وصوت القطار ومرتادي السوق، لكنّه لا يطيق صبرًا الانقطاع عن ناقته يومًا، ولا عن عدم الارتحال معها إلى طريق النجوم، ولا فقدان الستر بها حين يُرخي الّليل أستاره وتتوارى عن الأعين الأوهام، ولا بألّا يصبح على أصواتها، مثل إذاعة الصباح، وأغنية مسافر في محطة كثبان.