|


صالح الخليف
الرأي ليس صحافة
2021-10-21
هناك صورة انطباعية تتسيد الذهنية المتابعة باهتمام لمخرجات السوشال ميديا مفادها بأن الصحافة ليست عملية معقدة وليست مهنة صعبة ولا تحتاج لأي مواصفات خاصة تميز العاملين فيها عن أي شكل آخر في قائمة ما يكتب وما يقال.. بالطبع كاتب القصة لا يمت للصحافة بصلة.. كاتب الرواية بعيد عن الصحافة بعد نواكشوط عن شواطئ أغادير.. السيناريست لا يمكنه أن يتواءم مع أشياء كثيرة تفعلها الصحافة كل يوم.
هذه نماذج كتابية قريبة اتخذها مثالاً استعرض فيه فوارق واضحة أحشو بها ذخيرتي وعتادي حينما أرفض تمامًا تسطيح المهنة الصامدة وتسهيلها لمجرد أن الطائر الأزرق أباح للصغار والكبار وما بينهما الإدلاء بدلوهم في أي وقت وأي طريقة وأي مكان.. نعم ترك تويتر الباب مشرعًا ومفتوحًا على الدوام وفعل أشقاء تويتر الشيء ذاته طوال الوقت، فهل هذا يعني مجاورة مضارب القبيلة الصحفية أو الاقتراب من حدودها المتمددة على الحقيقة وشروط لا يمكن القفز وراء متاريسها بضغطة أزرار صغيرة.
قربت أزمنة السوشال ميديا المسافات وتجاوزت عقارب الزمن، لكنها أبدًا لا تستطيع بكل ما أوتيت من نفوذ وسرعة واستحواذ الالتحاق بالصنعة المتمسكة بقناعاتها والمتكئة على العقلانية الإعلامية ذات القيم الخالدة.. ثم أن الكتابة التويترية تعتمد بوضوح على الرأي.. وهذه الآراء تتقاذفها الألسن والأفواه في المجالس والاستراحات والمقاهي وصالات الانتظار في كل مطارات الدنيا ولا تأخذ من الصحافة أي ملمح.. الكلام في دوائر السوشال ميديا يرتكز على الآراء الخاصة، المتسندة على الأهواء والرغبات والأماني والأحلام، وهذه تجد في عوالم الصحافة ما يجعلها حذرة ويصعب تمريرها حين تجافي المنطق والتعقل.. الصحافة لا تسمح بأي رأي يخالف واقع الأشياء بحجة الخصوصية والحرية الشخصية، فليست رقابتها قائمة على الخطوط الحمراء فحسب، وإنما أيضًا هي حائط صد متصلب في وجه أي كلمة ترمي الحق وراء الزوايا المظلمة، فيما تسمح السوشال ميديا لشيء من هذا بالتمدد، واجتذاب أنصار ومؤيدين ومناصرين لدرجة يظن الظانون حينها أن ما يرمى إنما هو شكل من أشكال العمل الصحفي الذي يستحق الحب والتقدير والاحترام.. الرأي الذي تنقله الصحافة لكتابها المختارين لا يعد في مجمله بابًا من أبواب الصحافة وإنما هي صورة واحدة من أدوات تدعم موقفها ومادتها التي ينشد فيها قراءها التكامل ما بين أخبار وصور وحوارات وتقارير ومقالات.. المتكلمون في مجالسنا حتى وإن كانوا بارعين في القصص والحكاوي لا يقدموا أي شيء له رابط بالصحافة، وهذا بالضبط ما يمكن قوله بالتمام والكمال عن أهالي تويتر والسابحين في فلكه.. شيء من الكلام.. لا شيء من الصحافة.