|


تركي السهلي
زنزانةُ النصر
2021-12-18
حينما التقى النصر بالهلال في مباراة أول من أمس كان يريد الأصفر أن يصدق فقط. لم يكن في ذهنه سوى تسجيل الأهداف والثلاث نقاط. نزل إلى الأرض بكل ثقله الفني مُتخلّصًا من كل ما أثقله وكبّل حركته. يسيرًا كان الفوز النصراوي خفيفًا لطيفًا بدون منغصّات.
بدأ اللقاء وانتهى بما يمثّل الأصفر العريق دون أن يأخذ أحدًا معه أو يرمي بمشاكله وفوضاه في حضن أحد. لم يكن يبحث عن أعين إنقاذ. عصرًا كان التنافس الكُروي وليلًا كان الجميع يتقافز في مسارح “مدل بيست” في تمازج بين الموسيقى والرقص وتاليسكا وأبوبكر. شابًا ظهر العالمي بمعدّل أعمار 25 سنة وأكبر بكثير من حدودٍ وخطوطٍ ملتوية. لم يكن النصراوي في زمن النطق بالأسماء ولا الألقاب ولا الرايات المشوّهة. لم يكن أسدًا عجوزًا ولا ثورًا هائجًا ولا قمصانًا مُمزّقة. مرتاحًا كان لم يسمح بأن يؤذيه رديء بخدعةٍ أو غدر.
انفتاحٌ كبير للوضع الأصفر ومجال لا غبار فيه ولا تيّار، خطوات واثقة ونفس هادئة وجماهير لا لون لها سوى الوضوح ولا هتاف منها إلاّ الواحد.
يوم مشمس وأرض غنيّة وماء نظيف. تلك كانت تركيبة النصر وستبقى، ومن أراد تعكيره سيركله بعيدًا ويلفظه كما تُلفظ اللقمة المسمومة. نزيهًا كما يجب كبيرًا كما يكون. قاطع الأحراش والأوباش وطارد الأنفس الضعيفة. سليل المجد رأس العزّ وجه البياض وقلب القوّة. نوايا الطُهر وأب النور وسيّد الرأي. حكيم القوم رفيع المنهج وصادق القول. أصيل الخيل صقيل السيف وعدل العدل ومقبض الحق ويد النزاهة.
بدون أن يفقد ذاته وجد النصر كُل شيء وأخذه. دون أن يبقى وحيدًا بعيدًا أعاد الاكتشاف ورفع قيمته التي لا تقبل الإخفاء والبُهت والتقليل. زُمرّدٌ ولؤلؤة وزبرجد. لِحافٌ ونارٌ وشعلة ضياء. منارةٌ وهُدى وسلامٌ دائم. النفس الرضيّة النصر واليقين الذي لا يتبدّل. هو لا يصرخ وإن تحدّث ولو همسًا يموت الكذب. عظيمٌ بما فيه وخالٍ مما لدى غيره من التراجع بفعل الضغائن وكراهية النظافة. لم ينشأ في بيئة غير متزنة ولم يجنح يومًا إلى فعل فاضح. أديب وقور يعلوه السمت. لديه من الثبات ما يجعله يجلس دون أن يلتفت أو يرف له جفن. يُقدّم نفسه ولا يتأخر عن التذكير للآخر لو سكوتًا بالمصير: حينما تكون أمامي عليك الوقوف والالتزام وإلاّ وضعتك في زنزانة الظلام الأبديّة وأغلقت المسرح وأطفأت الأنوار وفتحت الساحة للمحاربين الشُرفاء.