بعض أسطر الكتاب تقول لك تمهل.. حان وقت التأمل، هذا ما تفعله الأسطر التي تلامسني، أو حتى تضربني، لكنه أشبه بضرب المسعف على خد المغمى عليه، والتأمل فيما نقرأ ضرورة، فللقراءة مهارة مثل أي مهارة يجب أن نكتسبها لإتمام أمر بتميّز، ولا أرى قراءة مفيدة دون أن يتوقف القارئ عند بعض الأسطر أو الصفحات ليتفكر، بعض الأسطر تُبكي، وبعضها يُضحك، وأخرى ترضيك وكأنها جاءت من بعيد لكي تمسح على رأسك كما تفعل الأم مع صغيرها، وهناك أسطر تضيء لك في شأن ما حتى تستنتج بأنك كنت في ظلمة منه.
أعتبر نفسي متوسط القراءة، لكنني أتعايش مع الكتاب الذي أصادقه إلى درجة عدم تركه لينام لأنني حينها لا أنام. في الشهور الماضية قرأت مجموعة معدودة من الكتب، قمت بتصوير بعض الأسطر التي استوقفتني، أعجبني كتاب (صنايعية مصر) لعمر طاهر، كتب عن بعض الشخصيات الصناعية في القرن الأخير، وتستنتج بعد أن تعرف ما آلت إليه الكثير من الصناعات كيف أن التأميم تسبب في كوارث على الصناعة المصرية وليس على ملاك المصانع فقط، اخترت سطرًا تواجد فيه الموسيقار محمد عبد الوهاب عندما اتصل بالإعلامية الكبيرة صفية المهندس عندما كانت مذيعة، أراد أن يبدي إعجابه بها، وأظن أنه أراد أن يتغزل أكثر من إبداء إعجابه: (أستاذة صفية.. نفسي أسألك.. مين اللي بيلحنلك كلامك؟!). رواية القوقعة لمصطفى خليفة مؤلمة جدًا، سمعت عنها منذ سنوات، وما أن قرأت الأسطر الأولى حتى وجدت نفسي داخل القوقعة، يروي خليفة من واقع سجنه في بلده، اخترت هذه الأسطر التي تصف كيف يفكر الإنسان عندما يصبح عالمه داخل مساحة صغيرة يسيطر عليها السجّان (تتعب رجلي اليسرى التي تحمل كامل جسدي، لو بدلت اليمنى باليسرى، هل سينتبه الرجل ذو الوجه المحتقن؟ وإذا انتبه ماذا سيفعل؟ تتخدر اليسرى، لم أعد أستطيع الاحتمال، أغامر. أبدّل. لم يحصل شيء، لم ينتبه أحد، أشعر بالانتصار! بعد سنين طويلة من السجن مستقبلًا، سأكتشف أنه في الصراع الأبدي بين السجين والسجّان، كل انتصارات السجين ستكون من هذا العيار!) من رواية شيفرة بلال لأحمد خيري العمري توقفت عند الصراع بين النفس والضمير (وعندما كان عبدول يسكر في آخر الليل، كان يقول إنه يريد أن يُخرج فيلمًا عن عظمة الإسلام.. في كل مرة يسكر فيها يقول ذلك.. سألته مرة وهو في سكره ولست متوقعًا أي إجابة: مادمت تريد أن تُخرج فيلمًا عن عظمة دينك، فلماذا تسكر ودينك يحرم الخمر؟ أجاب فورًا كما لو أن سكره قد طار: لأنني أسكر أريد أن أُخرج فيلمًا عن عظمة الإسلام. أريد أن يغفر الله لي. بدا لي ذلك مثيرًا للشفقة).
أعتبر نفسي متوسط القراءة، لكنني أتعايش مع الكتاب الذي أصادقه إلى درجة عدم تركه لينام لأنني حينها لا أنام. في الشهور الماضية قرأت مجموعة معدودة من الكتب، قمت بتصوير بعض الأسطر التي استوقفتني، أعجبني كتاب (صنايعية مصر) لعمر طاهر، كتب عن بعض الشخصيات الصناعية في القرن الأخير، وتستنتج بعد أن تعرف ما آلت إليه الكثير من الصناعات كيف أن التأميم تسبب في كوارث على الصناعة المصرية وليس على ملاك المصانع فقط، اخترت سطرًا تواجد فيه الموسيقار محمد عبد الوهاب عندما اتصل بالإعلامية الكبيرة صفية المهندس عندما كانت مذيعة، أراد أن يبدي إعجابه بها، وأظن أنه أراد أن يتغزل أكثر من إبداء إعجابه: (أستاذة صفية.. نفسي أسألك.. مين اللي بيلحنلك كلامك؟!). رواية القوقعة لمصطفى خليفة مؤلمة جدًا، سمعت عنها منذ سنوات، وما أن قرأت الأسطر الأولى حتى وجدت نفسي داخل القوقعة، يروي خليفة من واقع سجنه في بلده، اخترت هذه الأسطر التي تصف كيف يفكر الإنسان عندما يصبح عالمه داخل مساحة صغيرة يسيطر عليها السجّان (تتعب رجلي اليسرى التي تحمل كامل جسدي، لو بدلت اليمنى باليسرى، هل سينتبه الرجل ذو الوجه المحتقن؟ وإذا انتبه ماذا سيفعل؟ تتخدر اليسرى، لم أعد أستطيع الاحتمال، أغامر. أبدّل. لم يحصل شيء، لم ينتبه أحد، أشعر بالانتصار! بعد سنين طويلة من السجن مستقبلًا، سأكتشف أنه في الصراع الأبدي بين السجين والسجّان، كل انتصارات السجين ستكون من هذا العيار!) من رواية شيفرة بلال لأحمد خيري العمري توقفت عند الصراع بين النفس والضمير (وعندما كان عبدول يسكر في آخر الليل، كان يقول إنه يريد أن يُخرج فيلمًا عن عظمة الإسلام.. في كل مرة يسكر فيها يقول ذلك.. سألته مرة وهو في سكره ولست متوقعًا أي إجابة: مادمت تريد أن تُخرج فيلمًا عن عظمة دينك، فلماذا تسكر ودينك يحرم الخمر؟ أجاب فورًا كما لو أن سكره قد طار: لأنني أسكر أريد أن أُخرج فيلمًا عن عظمة الإسلام. أريد أن يغفر الله لي. بدا لي ذلك مثيرًا للشفقة).