|


تركي السهلي
خطوة النار
2022-02-27
مع كل يوم جديد يولد عقل مختلف. هذه معادلة يفهمها المُلاحق للحياة بما فيها من أحداث وتفاصيل، ويعجز عن استيعابها الجامد دون حراك. المُتعصّب هو الذي يبقى عند حدود رأيه، والمتجدّد المُتّسع هو الذي يأخذ مع كل موقف مُنطلقًا لا يشبه الذي قبله. لقد أعطى الكون للإنسان مفهوم التغيّر، ومنحته نواميسه عدم البقاء في ذات الأفق، وتدور عقارب الساعة لِتُشكِّل مسبّبات تحليل ودلائل بناء للمعرفة والحُكم.
إنّ الواقف في مكانه وكل شيء يمر من حوله دون أن يُصدر لغة تغيير يكون علّة مستفحلة، وأذى يطال من معه، وجمود لا فائدة من ورائه.
إنّنا نبتعد عن التراجع حين نتقدّم ونطرد الوهن كيلا نقترب من لحظة الوقوع في شرك الفشل، فتجدنا نتحدث ونواجه ونبني الفكرة تلو الفكرة، ونعيد النظر في المسار، ونغلّف طريقتنا في الرفض بنداء الحق ولسان الحقيقة، ونطرد الوهم والسقم، ونبادر إلى أخذ المرتعد الخائف مع جماعتنا القوّية كيلا يأسره ضعفه وارتعاده ويبقيه في حفرة الخنوع. إنّنا نكره التعثّر ونستحثّ الأقدام كيلا يسكنها النزول إلى الأسفل، ولا نخشى من أصوات القابعين بين الأحراش فنبارز الغابة ومن فيها. إن الاختيار للصدق مبدأ رفيع ومسلك نجاة، وقتل التضليل متعة يستطعم لذّتها المحارب بالقلم وحامل سلاح اليقين. إنّنا نقول لكل بعيد اقترب، ولكلّ متردّد تجرّأ، ولكل صاحب رأي عليك بالصدح دون أن تملس العظم ولا تكن فضًّا، ولكل وحيد يعبّر عن وجعه بالرقص لا تُعلي من صوت الطبل فتضيع خطوة النار.
إنّ البناء الكبير مُبتدأه لبنة صغيرة، وقطرة الماء تقود إلى جريان، والعقول التي ترى ليست كمن لا بصيرة لديها، والراحل بزاد غيره لن يقوى على هزيمة الجوع، والطريق سيبقى في حدود مسافته إلى أن تهتدي لممرّاته في داخلك، والنور الوامض من بعيد سيكون بالنسبة إليك مجرّد علامة إلاّ إن كان مضاءً في روحك من أزمنةِ قديمة، والجبل الذي تظنّ أنّه عسير سيكون تحت طوعك إنّ تسلّقت بهمّتك لا بأرجلك وأنفاسك المتتابعة.
إن كل شيء منك وإليك إن آمنت أن الأبواب نقاط عبور وخارطة بداية وما يتبعها من مساحة هي الأولى التي لا نهاية لها وفي البدء كانت القراءة.
لقد منحتنا كرة القدم معنى الركض واتقاد الذهن في تناغم بين الجسد والعقل، ولو لم يكن هُناك سقوط لما عرفنا قيمة النهوض، ولو لم يكن هناك تعبير لقتلنا الصمت.