ـ مصر أمّ الدّنيا فعلًا. يوم واحد في شوارعها وحواريها يكفي لرؤية دورة حياة كاملة. يمكنك فيما بعد تجميع المشاهد وترتيبها، لكن في يوم واحد ترى كل شيء!.
ـ فجأة، ولا تسألني كيف، لقيت نفسي وسط جمع أقوم بواجب عزاء، في رجل لا أعرفه!. لحظات وتجرأت ورحت أسأل الجالس بجانبي عن المرحوم، قال لي إنه قضى عمره يمشي في جنازات لا يعرف أصحابها!.
ـ وأتذكّر أنني قبل ساعتين تقريبًا، وبينما كنّا في مطعم شعبي، صاحت سيّدة حامل، تأكّدت ساعة ولادتها!. أحاطت بها سيّدتان وتقدّمهما رجل اتّجه راكضًا لجلب السيّارة، خَرَجَت السّيّدة محصّنةً بدعوات كلّ من في المكان، وصوت يلاحقها مكرّرًا الجملة مرّتين: “إذا ولد سمّيه اسماعيل وإذا بنت زينب”!.
ـ في مساء نفس اليوم، أشارت لي زوجتي إلى عروسين يحتفلان على النّيل، دقائق ووجدنا أنفسنا بجانب والدتيّ العريس والعروس نشاركهم الفرحة ونرحّب بالمعازيم كأننا أصحاب الليلة!.
ـ في طريق عودتنا، ذكّرتني زوجتي بأيام سابقة لنا في القاهرة، حيث حضرنا قصّة حب كاملة من أولها لآخرها على مدار أربعة أيام!. كنّا في تلك الرحلة نتابع مباريات كأس أفريقيا، نسيت أيّها، لكنها كانت واحدة من البطولات الثلاث التي كسبتها مصر على التوالي. كنّا قد اخترنا مطعمًا يقدّم أكلات “نوبيّة” تعرّفنا على أصحابه وصارت لنا طاولة خاصّة طيلة وقت المباريات. في اليوم الأول، وعلى الطاولة القريبة منّا حضر ثلاثة: شاب وفتاتان، ومن الكلام فهمنا أنّ الثلاثة بانتظار شاب يكمل المربّع الذّهبي!. دقائق وحضر الشّاب، وكان من الواضح أنه يتعرّف على إحدى الفتاتين للمرّة الأولى!. في اليوم الثاني وعلى نفس الطاولة كان التعارف الجديد قد أثمر حضور العاشقين الجديدين فقط!. لم نسمع كثيرًا من الكلام، فقد كان همسًا، لكن من مراقبتنا للوجوه شعرنا بأنه كان همسًا دافئًا ومرحًا في بعض الأحيان، لأنّ الضّحكات كانت تعلو فجأة دون أن يفارقها الحياء!. في اليوم الثالث حضرت الفتاة وحدها، انتظرت، وخرجت تتحدث في التلفون وعادت منزعجة أكثر من مرّة!. انتظرتْ لأكثر من ساعتين، ثم أخذت حقيبتها بغضب حزين مرتبك تاركةً المكان!. في اليوم الرّابع كانت نفس الفتاة في نفس المكان مع صاحبتها، وكانت تبكي!. كنّا نتابع بطولتين!، بطولة أسعدت مصر، وبطولة أحزنتْ مصريّة!.
ـ في شوارع أمّ الدّنيا، يتكرر هذا المشهد كثيرًا:.. غاضبًا، يضرب الأرض بقدمه، لكن الأمّ لا تلتفت وتظلّ سائرةً في طريقها، يرفع الطفل صوته باكيًا، في محاولة أخيرة لإجبارها على الالتفات والتراجع وتلبية ما يريد، لكنها لا تلتفت. يلحقها طفلها باكيًا: هذه هي الأمّ، حتى حين تمتنع عن إعطاء صغيرها ما يريد، فإنه يبكي، يعلن استياءه ويكشف عن تعكّر مزاجه، لكنه يلحقها، يلحق بأمّه، لأنه يدري أنها أمانه الوحيد في هذه الدّنيا!.
ـ يا لكرم الله ورحمته، وكأنّ الأفراح وضحكات الانبساط والانشراح، قُسِّمت بين الناس بالتّساوي، كلّ حالة ووضع، لهما نصيبهما من الفرح، نصيبهما المتساوي مع الجميع، رغم اختلاف الحالات وتباعد الدرجات في الأوضاع!. رزق الضّحكات مقسّم بالتّساوي أو يكاد!. بل إنّ ضحكات البسطاء أصدق، تحسّ أنها آتية من أماكن قصيّة في القلوب، وتراها في عيونهم أصفى ممّا هي في أصواتهم التي لا تخلو من بحّة وحشرجة!. ليس أكثر من ضحكات المتعبين قدرةً على التّحدّي والوصول!. حتّى بعض البذاءات في ألفاظهم وهُمْ يسخرون، تشعر أنّها مغفورة سَلَفًا!.
ـ فجأة، ولا تسألني كيف، لقيت نفسي وسط جمع أقوم بواجب عزاء، في رجل لا أعرفه!. لحظات وتجرأت ورحت أسأل الجالس بجانبي عن المرحوم، قال لي إنه قضى عمره يمشي في جنازات لا يعرف أصحابها!.
ـ وأتذكّر أنني قبل ساعتين تقريبًا، وبينما كنّا في مطعم شعبي، صاحت سيّدة حامل، تأكّدت ساعة ولادتها!. أحاطت بها سيّدتان وتقدّمهما رجل اتّجه راكضًا لجلب السيّارة، خَرَجَت السّيّدة محصّنةً بدعوات كلّ من في المكان، وصوت يلاحقها مكرّرًا الجملة مرّتين: “إذا ولد سمّيه اسماعيل وإذا بنت زينب”!.
ـ في مساء نفس اليوم، أشارت لي زوجتي إلى عروسين يحتفلان على النّيل، دقائق ووجدنا أنفسنا بجانب والدتيّ العريس والعروس نشاركهم الفرحة ونرحّب بالمعازيم كأننا أصحاب الليلة!.
ـ في طريق عودتنا، ذكّرتني زوجتي بأيام سابقة لنا في القاهرة، حيث حضرنا قصّة حب كاملة من أولها لآخرها على مدار أربعة أيام!. كنّا في تلك الرحلة نتابع مباريات كأس أفريقيا، نسيت أيّها، لكنها كانت واحدة من البطولات الثلاث التي كسبتها مصر على التوالي. كنّا قد اخترنا مطعمًا يقدّم أكلات “نوبيّة” تعرّفنا على أصحابه وصارت لنا طاولة خاصّة طيلة وقت المباريات. في اليوم الأول، وعلى الطاولة القريبة منّا حضر ثلاثة: شاب وفتاتان، ومن الكلام فهمنا أنّ الثلاثة بانتظار شاب يكمل المربّع الذّهبي!. دقائق وحضر الشّاب، وكان من الواضح أنه يتعرّف على إحدى الفتاتين للمرّة الأولى!. في اليوم الثاني وعلى نفس الطاولة كان التعارف الجديد قد أثمر حضور العاشقين الجديدين فقط!. لم نسمع كثيرًا من الكلام، فقد كان همسًا، لكن من مراقبتنا للوجوه شعرنا بأنه كان همسًا دافئًا ومرحًا في بعض الأحيان، لأنّ الضّحكات كانت تعلو فجأة دون أن يفارقها الحياء!. في اليوم الثالث حضرت الفتاة وحدها، انتظرت، وخرجت تتحدث في التلفون وعادت منزعجة أكثر من مرّة!. انتظرتْ لأكثر من ساعتين، ثم أخذت حقيبتها بغضب حزين مرتبك تاركةً المكان!. في اليوم الرّابع كانت نفس الفتاة في نفس المكان مع صاحبتها، وكانت تبكي!. كنّا نتابع بطولتين!، بطولة أسعدت مصر، وبطولة أحزنتْ مصريّة!.
ـ في شوارع أمّ الدّنيا، يتكرر هذا المشهد كثيرًا:.. غاضبًا، يضرب الأرض بقدمه، لكن الأمّ لا تلتفت وتظلّ سائرةً في طريقها، يرفع الطفل صوته باكيًا، في محاولة أخيرة لإجبارها على الالتفات والتراجع وتلبية ما يريد، لكنها لا تلتفت. يلحقها طفلها باكيًا: هذه هي الأمّ، حتى حين تمتنع عن إعطاء صغيرها ما يريد، فإنه يبكي، يعلن استياءه ويكشف عن تعكّر مزاجه، لكنه يلحقها، يلحق بأمّه، لأنه يدري أنها أمانه الوحيد في هذه الدّنيا!.
ـ يا لكرم الله ورحمته، وكأنّ الأفراح وضحكات الانبساط والانشراح، قُسِّمت بين الناس بالتّساوي، كلّ حالة ووضع، لهما نصيبهما من الفرح، نصيبهما المتساوي مع الجميع، رغم اختلاف الحالات وتباعد الدرجات في الأوضاع!. رزق الضّحكات مقسّم بالتّساوي أو يكاد!. بل إنّ ضحكات البسطاء أصدق، تحسّ أنها آتية من أماكن قصيّة في القلوب، وتراها في عيونهم أصفى ممّا هي في أصواتهم التي لا تخلو من بحّة وحشرجة!. ليس أكثر من ضحكات المتعبين قدرةً على التّحدّي والوصول!. حتّى بعض البذاءات في ألفاظهم وهُمْ يسخرون، تشعر أنّها مغفورة سَلَفًا!.