|


أحمد الحامد⁩
لعدم التفرغ
2022-04-21
أنا من المتفائلين، أو وسطي التفاؤل على الأقل، أو قد أكون متفائلًا حذرًا، لكنني أعتقد أن عالم اليوم يدعو للقلق، وصار فيه ما يخالف المنطق، فلغاية الآن لا أفهم كيف يشتري الناس عملات رقمية لا يعرفون من وراءها، ولا سند لها من الذهب، وكيف أن بعض المواقع الإلكترونية العالمية، التي تبيع الملابس والعطور الشهيرة، صارت تقبل الدفع بالعملات الرقمية كبديل للأموال التقليدية، دون أن يعرفوا لمن تعود الأموال الرقمية.
حاولت أن أفهم ماذا حصل لتفكير الذين يشترون البيتكوين وأخواتها من العملات، وتوصلت إلى أن شيئًا خارجًا عن الاستيعاب يحدث، لأن لا أحد سيقبل شراء سيارة ورقية على أنها سيارة حقيقية طالما أن لا هيكل ولا ماكينة ولا مقاعد ولا أنوار لها، أو لا أحد يقبل أن يشتري رسمة منزل على أنه منزل حقيقي، لكن الناس في أنحاء العالم تشتري البيتكوين وتبيعه وتعود لتشتريه، هل هناك خدعة في الأمر، لكن تيار الطلب أكبر من أن يكشفها الآن؟ في الوقت نفسه، يبدو أن العملات الرقمية تأخذ حيزًا كبيرًا من العملات التقليدية، والبعض يقول إن المستقبل القريب هو للعملات الرقمية، مثل البيتكوين، وغيرها، من هم أصحاب هذه العملات؟ لا أحد يجيب.. أليس من المفروض عندما تشتري شيئًا أن تعرف ممن اشتريته؟ بالأمس قرأت أن نحاتًا، وبتمويل من أربع شركات هنغارية، صنع تمثالًا كبادرة إعجاب وامتنان لمؤسس عملة البيتكوين، تقديرًا لفكرته العبقرية، دون أن يعرفوا من هو! وقبل عدة أيام، وعلى مائدة الإفطار، قال أحد الأصدقاء ناصحًا: “أنصحكم بهذه العملة تراها زينة”! حاولت أن أتحصل منه على إجابة واضحة عمن يقف خلف العملة المذكورة ولم يستطع الإجابة.. لكنه اشترى منها لأنه شاهد من يشتري منها! قبل مدة قرأت أن أحد الذين يمتلكون من عملات البتكوين، بما يعادل عشرات الملايين من الدولارات، فقد الباسورد، وحاول عدة محاولات فاشلة للدخول للموقع، وتبقت له محاولة واحدة، لا أعلم إن وجد الباسوورد، أو أنه فقد أمواله البتكوينية! أما صديقي العربي، الذي طالما كنت معجبًا بواقعيته وقناعته الدائمة بالعصفور الذي باليد خير من الذي على الشجرة، أجابني بعد أن سألته عن أحواله: “والله عيني ويا البوتكوين.. نوبة أربح.. ونوبة أخسر”! وعندما سألته من هو صاحب البيتكوين، الذي اشتريت منه، أجاب: “شمدريني.. شفت الناس اشترت واشتريت”! لا أدري كيف طارت فجأة كل أساسيات تقييم العملات، التي درسوها لنا، وكيف تبخرت علوم الاقتصاد وكلياتها وكتبها بمجرد أن أحدًا ما في مكان ما قرر أن يطلق عملته الخاصة! قد تكون البيتكوين وأخواتها فيها تنبيه لي بأنني أصبحت خارج الواقع، وأنني كبرت جدًا، وما زلت تقليديًا، فصرت أبطأ من سرعة الواقع، أو أن الواقع صار غامضًا، ويصعب فهمه، لأنه لا يقوم على أساسيات حقيقية ومنطقية، أرجو ألّا يكون الاحتمال الأول هو الصحيح، ويبدو أنه كذلك. بالمناسبة عندي كم بتكوين للبيع لعدم التفرغ!