|


تركي السهلي
نسيان الغياب
2022-06-18
مع الغياب ننسى. نذوب في تفاصيل الحياة ونغيب. نتجاوز الأيّام التي حملتنا على التكوين ونسرع نحو النهاية. مُزعجٌ أن نُغطّي أرجلنا بلحاف الدنيا ونحن في ليالي الصيف وحين حلول الشتاء يتجمّد كُل شيء.. ولا غطاء. السيرةُ الطويلة تقصر من الوهم وفقدان الذات والأثر الصغير يبقى كما رسم في صخرة مُعمّرة.
الفكرة الأولى تبقى والتالي من الأفكار يُلاحق الولادة. الرجل الذي يتخلّى عن زاده في رحلة الخطوط العريضة لن يجد له مأكل وقتما تضيق السطور. المهنة التي تتعلّمها وتتقن أدواتها هي سلاحك والمهارات التي تكتسبها هي الإضافة على النقاط الموضوعة في البدء.. وإن كان المناخ هو المناخ.
كان قلمًا يافعًا يركض بين “الناصرية” وشارع “الوشم” ولحظة ما اتجهت المطابع شمالًا من الرياض لاحق رسم الصفحات وضبط العناوين وحبك القصص. كان الاسم بمثابة رغيف صباح والخبر لقمة جائع. كان المزيج مُتشكّلًا بين العطش والتسكّع وغنى الأحرف داخل بيت الحبر. كانت الأثواب والأنوار والليل وزحام الصباح ودوران الوقت مثل دفتر طالب لا يعرف من الساعات إلّا دقائق الامتحان وواجب الدرس.
التحوّلات الكبرى في الحياة تكون من الحظ الذي ما أن يضعف أو يسوء حتى يذهب الخط المستقيم إلى الانعراج وتكون متاهات السنين وتكثر الفخاخ والأضداد والأشكال التي تتواجد مع العدم من الجدوى.. ويكون هو مع كل طارق مجهول مًستقبلًا الألم.
الورقة التي تكون بين يدي طفل ليست كما التي تحت أصابع كبير هناك ستكون المساحة للشمس والشجرة والكوخ الصغير وفي حال الكبير ستكون للسريالية والألوان الكثيفة والكلمات المرصوصة فوق بعضها بعضًا. تموت الخُطى وتبقى المساحة.
كانت الرحلة سفر وهو لم يتزوّد في المحطّات إلّا قناديل.. وحينما بلغ الخمسين من العمر صرخ بكل ما فيه: أين الوجهة؟!
الاهتداء الآن للقديم.. للمكنوز في الداخل من أنماط كتابة.. للاسم الذي كان رغيفًا ساخنًا وصار مستودع قمح.. للآمال الميّتة التي سُتبعث من حركة وجود وميلاد تعاقب.
سلامُ على الوسط والشمال والطرق ذات الجسور الحديديّة.. سلامٌ على “الرمال” و “أبو هيثم” ورائحة التفّاح والعنب والضحكات الآتية من الجبال.. التحايا لـ “الاستديو” والتحميض المقطوع واللقطة المخفيّة. الوفاء من الذكرى لحارس الصحيفة وبوّاب العمارة والسلالم الأسمنتية وجرس الشقّة المكسور ومغسلة الملابس المحشورة في الحي. الوجد للإبريق المسودّ وللفرن اليدوي وللأسطوانة الرماديّة ولبقايا الأرز على السجّاد الرخيص. التلويح من البعيد.. والغياب المنسي.. إلى قصّة الكتابة.