|


تركي السهلي
عودة كاتب
2022-08-29
يعود الكاتب من بعيد.. والكتّاب لا يغيبون. الكتابة نور لا ينقطع والأقمار لا تغيب. كان رجلٌ في حدِّ الذات لا يطيل المسير دون عتاد، ولكنها الرحلة، التي قد تتوقّف عند الأبواب، وعند الطرق المنتهية بخطوط متعرّجة. كم نحتاج في هذه الدُنيا حتى نستمر إلى التعبير، إلى الكلام الموزون في العقول.
نجمةٌ في السماء، وقمرٌ وحيد. ليلةٌ بعدها الكثير من الّليالِ، وسماء لا تستوعب إلاّ واحدًا. أهلًا عزيزي الواقف في مفترق الطرق ينتظر المارّة والعابرين. أهلًا بك أكثر مّما تتخيّل، ومّما يصل إليه عقلك الحائر بين المّمرات. تعال وتحرّر. أنت المجدُ الذي انتظرناه كثيرًا، ويباغتنا كُل يوم. تعال وارمِ كل شيء وكُن رُجلًا مات من أجل أن يحيا.. من أجل أن يرمي كُل شيء خلف ظهره وينطلق.. تمامًا مثل حصانٍ ضرب القديم الذي أنكره والتفت نحو الريح.. نحو تلك التسميات التي التقطها بعينه وحوّلها نحو مسلماته وتنفّس. تعال واكتب، فإنّ الحياة لا تنام عند الباب الموصد. تخلّص من كل شيءٍ وانزع عن كتفك ملابس الهواء وارقص. اُرقص كما لاعبٍ تقاعد وهو لا يقف عند أبواب الحُرّاس ويضيع. سيّد الحرف الذي لم يصمت.. تكلّم.
لن يكون هناك غياب. أنت المسير إلى الرجوع. إلى الرأس الذي أخذ كُل الأفكار واعتمر فكرته الوحيدة.. وعاش. أنت أهلًا لكل شيء.. لكلّ الذين ماتوا في السفر البعيد ودفنوا بسلسلتك. سيّدي الصامت تكلّم.. ولا تلتفت بوجهك إلى الاتجاهات البليدة. حدّد واكتب برحيقك الذي حينما تتحدّث تكون محبوبتك الجرّة والغيمة.. وتتقاطر من خليّتك الزخّات.
المصير المرصوف بالأحرف لا يصل إلى الحتمية إلاّ بالأفكار الشقيّة، ولا أسى أكثر من الجمود ومسح الخطوط، ولا إنارة بالجدال والصوت المربوط بالحبال المتقطّعة.
العائد من القلم للصفحات وللسكن بين الأسطر لا يكره شيئًا أكثر من المكوث والسجن العقلي والصناديق المُغلقة.
لم يكن غائبًا ذلك الكاتب لكي يقطع من يده الفتيل، بل كانت سواعده مرفوعة بالقنديل، وهو باحث عن مدى لا حدود له وأنوار لا تنطفئ واصطفاف من المنتظرين للمشاعل.
حينما يرجع الغائب من صمته لا أحد يتكلّم، ونحن حين نستمع إليه نترك الأذان بين الشريان والوريد، ونعطي النبض دمًا جديدًا لا يتخثّر، ونجعل من الإيقاع الداخلي للروح تناغمًا لا غرابة فيه ولا نشاز، ونطيل الاستماع، ثم نبقى بقاءً لا جدال فيه.
أهلًا بالرجل الذي كان خشبًا، وأضحى يراعًا، وأثمر سكوته عن حبر.