|


أحمد الحامد⁩
كلام في طريق الحياة
2022-09-01
ـ كان الجو بديعًا، نسيمًا، يميل للبرودة المحببة، الأشجار متألقة بلونها الأخضر الغني، وبعد أن مشينا مئات الأمتار، وامتلأت صدورنا بالهواء النقي، قلت لصاحبي: هذه الدنيا مليئة بالتناقضات، يحبس المرء نفسه في بيته، ويعتزل هذه الطبيعة الآسرة، وهناك في مكان ما في هذا العالم من يتمنى لو أنه يمشي في هذا المكان ساعة، متناقضة للدرجة المضحكة والمبكية، مثل من لديه المال، الذي لا يعرف ما يفعل به، للدرجة التي تقلقه، في الوقت الذي يبحث فيه آخر عن لقمة تسد جوعه، وهناك من يملك عقلًا عبقريًّا، ولا يلتفت إليه أحد، لأنه يعيش في المكان غير المناسب.
بينما يتجمهر المعجبون في مكان ما على آخر أقل مستوى منه بكثير، هناك من يزهد في العلم المتاح له بأسهل الطرق، وهناك من يقطع المسافات الطويلة في الطقس الصعب، لكي يصل إلى مدرسته أو جامعته، وهناك مريض تمنى لو خف ألمه، وأن يبقى على قيد الحياة من أجل عائلته، وهناك من لا يشكو جسده من مرض، لكنه يفكر بالتخلص من حياته، لأسباب تبدو لغيره مضحكة، هناك من يلعب بالآلاف على طاولات القمار، وهناك من قُطع التيار الكهربائي عن بيته، لأنه لا يملك ثمن الفاتورة، هناك العالِم الذي لا تميزه من بين الناس لشدة تواضعه، وهناك الصاخب الظاهر بجهله، ثم قلت لصاحبي: قد نقطع هذا الطريق عدة مرات دون أن أنتهي من عد التناقضات في الحياة.
ما قلته لرفيقي كان قناعة بنيتها في سنوات طويلة من أن الحياة متناقضة، وبعد مشاهدات وتأملات، وبعد مراجعات أجريتها حتى على نفسي، عندما استذكرت مواقف ومشاهد أظهرت تناقضاتي أنا كذلك. ثم علّق رفيقي بجملة هدمت بنيان قناعتي بثوانٍ قليلة، قال: ما قلته ليس تناقضات.. بل اختبارات! كلٌّ يعيش اختباره، فالمريض اختباره المرض، والثري اختباره المال، والعالِم اختباره العلم، والفقير اختباره الصبر، كلٌّ منا في الحياة يعيش اختبارًا معينًا. ما قاله صاحبي جعلني أعيد حساباتي في قناعتي، وملت إلى ما قاله أنه هو الصحيح، وبدأت أعتقد أن ما يبدو أنه تناقضات ما هو إلا بعض نتائج هذه الاختبارات.
ـ المقولات تساوي الرحيق الذي في الزهور، ونحن نحصل على الرحيق جاهزًا من الذي زرع وخاض غمار الموسم بكل تفاصيله المتعبة، الغريب أننا غالبًا نمر على المقولات للتسلية، أو للفائدة التي سرعان ما ننساها. للباحثين عن السعادة.. مهما كان حالكم، إليكم هذا الرحيق الذي تركه لنا أوسكار وايلد، حاولوا أن تحفظوه بعيدًا عن النسيان (لا تعتبر السعادة سعادة إلا إذا اشترك فيها أكثر من شخص، ولا يعتبر الألم ألمًا إلا إذا تحمّله شخص واحد).