|


أحمد الحامد⁩
من مفكرة السفر
2022-09-25
- مكان العمل أكبر بكثير من مبنى نقضي فيه ساعات من كل يوم، هذا المكان مع الوقت يتحول إلى تاريخ شخصي وعاطفي، والزملاء الذين نقضي معهم ساعات من كل يوم، هم أكثر الناس الذين نلتقي ونتحدث معهم، بل أكثر من لقاءاتنا مع أقاربنا، ومن الطبيعي أن الزملاء خلال العشرة صاروا يعرفونك ويعرفون صفاتك وطباعك بصورة أكثر مما تتخيل، حتى لو اعتقدت طوال سنوات العمل بأنهم لا يعرفون الكثير عن صفاتك وطباعك على حقيقتها.
ففي السنوات الطويلة في مبنى العمل يكون الإنسان قد مرَّ بمواقف كثيرة كشفت عن طبيعته وإن كان ببطء لبعض الشخصيات الكتومة أو الخجولة. قبل أيام وبمجرد أن حطت الطائرة قررت زيارة المبنى الذي عملت فيه سنوات طويلة، وغادرته قبل سنوات طويلة أيضًا. بمجرد أن دخلت المبنى بدأت تغمرني مشاعر لم أحسب حسابها، لم يكن ما أشاهده مجرد جدران أسمنتية وألواح زجاجية ومكاتب، كنت مع كل خطوة أسترجع أصوات الزملاء، وفي كل زاوية أرى وجه أحدهم، لم يبقَ منهم إلا واحد كان في استقبالي، جميع من رأيتهم لا أعرفهم ولا يعرفوني، كنت كالعائد إلى بيته لكن ينظر له نظرة الغريب، لم أنتظر طويلًا لكي أوجه نظري نحو الزاوية البعيدة حيث طاولتي، شخص آخر أصغر عمرًا يجلس، كل شيء كان كما هو، ما عدا وجوه الزملاء وأصواتهم، إنها دورة الحياة.
- في تلك الغرفة المطلة على بحر الخليج، كنا خمسة، أنا وهو والبحر والليل والأضواء التي تلمع من بعيد، بعد دقائق من لقائنا اكتشف أن شيئًا يثقل على صدري، وأن هذا الشيء أثقل على روحي التي يخبرها جيدًا، واستطاع أن يكتشف منذ بدايات حديثه أن عيني اللتين كانتا تتجهان نحوه لم تكونا تنظران إليه، وبعد أن دس سؤالًا سريعًا في كلامه ولم يجد إجابة مني اكتشف بأن الماثل أمامه جسد غادرت حواسه الغرفة، لذلك أشّر بيديه وكانت إشارته كافية لكي أعود، هو: أعرف سبب إحباطك وحزنك.. لكن لقاءنا اليوم هو أفضل فرصة لك لكي أسمعك كلامًا إن فهمته تكون قد كسبت روحك وحافظت على ابتسامتك! هززت رأسي قليلًا لكي يتابع كلامه الذي لم أعوّل بأن يزيح شيئًا مما أثقل على روحي وجعلني كمن يحمل صندوقًا حديديًا ثقيلًا. تابع وقال: في يوم من الأيام كتب أحدهم عني كلامًا غير صحيح، لكن ما كتبه آلمني وأثار حزني، فالتقيت بأحد الأصدقاء مثل لقائنا هذا، وقال لي ما غيّر من تعاملي مع ما يقوله الناس أو يعتقدونه، قال: في أحد الأيام قرأت آية على الإنترنت، ثم قرأت التعليقات على الآية فوجدت النقاشات والخلافات على تفسير الآية، كل يقول تفسيرًا مختلفًا، وكل يخطئ الآخر، حينها قلت لنفسي: الناس اختلفوا على تفسير آية من كلام الله عزّ وجل وأريدهم أن يتفقوا على ما أقوله أنا؟ منذ ذلك اليوم لم أعد أهتم لكلام الناس عني وعشت على مبدأ: أنا حر ما لم أضر.