أحمد الحامد⁩
مكتبتي الصغيرة
2022-09-26
كلما شعرت بأنني سمعت كثيرًا، وتكلمت أكثر، ومللت من قراءة الأخبار المخيفة، ومن فوضى السوشال ميديا، ومن تحليلات الأصدقاء وفلسفتهم، آخر ما تفلسف به أحد الأصدقاء بأنه يعاني من سيطرة عطره عليه، لأن عطره الذي اشتراه مؤخرًا قوي الشخصية! كلما اجتمعت علي هذه الأمور فتحت خزانة الكتب وأخرجت كتابًا عتيقًا، وكل ما فيه قديم ومن زمن بعيد، فأسافر برحلة لا أعود منها إلا والمزاج تحسن، والطاقة عادت من جديد.
اليوم اخترت لكم من قراءة ساعتين، وأبدأ بفطنة القضاة وثقل البخلاء (ذكر أحدهم أن رجلاً من البخلاء استأجر محتطبًا، فاستكثر الأجر، فطمع في مشاركته العمل لينقص من الأجر، فجلس يقول (هه) بكل ضربة ضربها المحتطب، فلما انتهى أعطاه نصف الأجرة، فتخاصما إلى القاضي، وكان من الظرفاء، فقال هات الأجرة أقسم لكما، فشرع يلقي درهمًا درهمًا على صندوق ويقول: الدرهم للأجير وطنينه للمستأجر!). لو جُمعت قصص الذين ادعوا النبوة ستشكل كتابًا ضخمًا، وأعتقد أن نصفهم على الأقل يعانون من مشاكل نفسية، والنصف آخر محتالون أرادوا استغلال بعض جهلاء محيطهم، هذه قصة قرأتها للمرة الأولى (ادعت امرأة النبوة على عهد المأمون، فأُحضرت إليه، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا فاطمة النبية. فقال لها المأمون: أتؤمنين بما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام؟ قالت: نعم، كل ما جاء فيه فهو حق. فقال المأمون: فقد قال صلى الله عليه وسلم (لا نبي بعدي). قالت: صدق عليه الصلاة والسلام، فهل قال لا نبيّة بعدي؟ فقال المأمون لمن حضره: أما أنا فقد انقطعت، فمن كانت عنده حجة فليأت بها، وضحك حتى غطى وجهه). الوقت الذي يفتقر فيه الكريم هو الوقت الأشد إيلامًا وقهرًا له، لأنه يبقى عاجزًا عن العطاء المالي لمن هو بحاجة إليه، ولأنه لا يمارس طبيعته، وأنا من المؤمنين بأن العجز المالي الطويل عند البعض أخفى عنا كرمهم وحرمهم من ظهور هذه الصفة، ولو كانت أحوالهم جيدة لشاهدناهم يمارسون فضيلتهم بسخاء، وهذا مشهد لكريم تآمر عليه المال (قال أحدهم: كنت أمشي مع سفيان بن عيينه إذ أتاه سائل فلم يكن معه ما يعطيه، فبكى. فقلت: يا أبا محمد، ما الذي أبكاك ؟ قال: أي مصيبة أعظم من أن يؤمل رجل فيك خيرًا فلا يصيبه). بعض الناس إذا رأوا عالمًا في علوم الشرع ابتدعوا مسألة لكي يفتحوا باب الكلام معه، ولكي يُظهروا أنفسهم بأنهم ملتزمون بأدق التفاصيل الشرعية، يظهر هذا من خلال مسألتهم التي يسألونه عنها (جاء رجل إلى أبي حنيفة فقال له: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أغتسل فإلى القبلة أتوجه أم إلى غيرها ؟ فقال له الأفضل أن يكون وجهك إلى جهة ثيابك لئلا تسرق).