أحمد الحامد⁩
رسائل واتساب
2022-10-12
أصبحت رسائل الواتساب من اليوميات، حتى أن الواحد منا صار يتأكد من وجود الإنترنت في هاتفه إن مضت عدة ساعات دون وصول رسالة، ووصل الحد بالبعض عندما يستيقظ فأول ما يفعله بعد فتح عينيه هو النظر في هاتفه وإن كانت هناك رسائل. أنا أفعل الشيء نفسه ولكن ليس بعد أن أفتح عيني مباشرة، ربما بعد ربع أو ثلث ساعة.
وللاحتياط أقول بأنني نظرت لرسائل الواتس بعد استيقاظي مباشرة عدة مرات طوال سنوات. الآن وبعد هذه السنوات من استخدام الواتس شكلت تصورًا عن بعض من يراسلونني، لم أكن قد عرفته عنهم قبل الواتس، وفهمت أن كل مراسل له إيقاعه، ويتبدل هذا الإيقاع مع تبدل أحواله، أحدهم ومع نزول الراتب يرسل مقاطع لمحمد عبده ونكات وفيديوهات مضحكة، ويصبح مشاغبًا في المجموعة (القروب)، وفي أواخر الشهر وقبل نزول الراتب تتبدل رسائله إلى مواعظ وحكم ويصبح شخصًا هادئًا مسالمًا.
اكتشفت أن أحدهم يحب الفلك لكثرة رسائله التي تتضمن معلومات فلكية، مع أنه لم يظهر حبه للفلك طوال لقاءاتنا الشخصية. مقال اليوم حاولت أن أنقل فيه بعض الرسائل التي وصلتني عبر الواتس وأعجبتني، لكن رسالة واحدة هي من أخذت نصيب بقية الرسائل، وصلتني من صديق تليق به صفة المحترم، هادئ وصبور، وإذا ما تحدث تدرك سريعًا أنه استثمر طويلاً في عقله (خلال حفل زفاف، شاهد أحد الحضور معلمه الذي كان يدرّسه قبل نحو 35 عامًا. أقبل الطالب بلهفة واشتياق على معلمه وبكل تقدير واحترام قال له بشيء من الخجل: تتذكرني يا أستاذي؟ فقال المعلم العجوز: لا يا بني. فقال الطالب بصوت خافت: كيف لا؟ … فأنا ذلك التلميذ الذي سرق ساعة زميله في الصف، وبعد أن بدأ الطفل صاحب الساعة يبكي طلبت منا أن نقف جميعًا ليتم تفتيش جيوبنا. أيقنت حينها أن أمري سينفضح أمام التلاميذ والمعلمين وسأبقى موضع سخرية وستتحطم شخصيتي للأبد. أمرتنا أن نقف صفًا وأن نوجه وجوهنا للحائط وأن نغمض أعيننا تمامًا، أخذت تفتش جيوبنا وعندما جاء دوري في التفتيش سحبت الساعة من جيبي وواصلت التفتيش إلى أن فتشت آخر طالب. وبعد أن انتهيت طلبت منا الرجوع إلى مقاعدنا، كنتُ مرتعبًا من أنك ستفضحني أمام الجميع، ثم أظهرت الساعة بيدك وأعطيتها للتلميذ لكنك لم تذكر اسم الذي أخرجتها من جيبه ! وطوال سنوات الدراسة الابتدائية لم تحدثني أو تعاتبني، ولم تحدّث أحدًا عني وعن سرقتي للساعة، ولذلك يا معلمي قررت منذ ذلك الحين ألا أسرق شيئًا مهما كان صغيرًا، فكيف لا تذكرني يا أستاذي وأنا تلميذك وقصتي مؤلمة ولا يمكن أن تنساها أو تنساني؟ طبطب المعلم على ظهر تلميذه وابتسم وقال: بالطبع أتذكر تلك الواقعة يا بني … صحيح أنني تعمدت وقتها أن أفتشكم وأنتم مغمضي أعينكم كي لا ينفضح أمر السارق أمام زملائه… لكن ما لا تعلمه يا بني هو أنني أنا أيضًا فتشتكم وأنا مغمض العينين ليكتمل الستر على من أخذ الساعة ولا يترسب في قلبي شيء ضده).