|


محمد المسحل
وجوهكم بيضاء..
2022-12-02
عادت بعثة منتخبنا الوطني بعد أن أطلق الأخضر سلسلة تغيير في التركيبة العالمية لمفهوم القوي والضعيف في كرة القدم، حيث حقق فوزًا تاريخيًّا على المرشح الأول لحصد كأس العالم “منتخب الأرجنتين”، فوزٌ حفَّز باقي المنتخبات العربية والآسيوية على رفع سقف أهدافها لتفوز على أي خصم، وتتأهل إلى دور الـ 16 بكل قوة وحزم، وهذا ما فعله المنتخب المغربي الشقيق، والمنتخب الياباني الصديق، اللذان أسهما في جعل ما تبقَّى من المسابقة “أنظف كثيرًا”.
سيناريو المشاركة السعودية المشرِّفة بكل تأكيد، الذي بدأ قويًّا جدًّا أمام الأرجنتين، ثم أقل قوة “وحظًّا” أمام بولندا، ثم أكثر إرهاقًا ونقصًا أمام المكسيك، يثبت أن كرة القدم لدينا لا ينقصها وجود المواهب بقدر ما ينقصها وجود استراتيجية طويلة المدى، تعمل على صناعة قاعدة عريضة من اللاعبين الموهوبين، تبدأ من اكتشاف المواهب من سن السادسة، وتستمر حتى ينخرط اللاعب في عالم الاحتراف، وتهيئته ليكون بالقوة البدنية التي تجعله يحتمل خوض ثلاث مباريات قوية في الأسبوع الواحد دون إجهاد، وببناء جسماني يتحمَّل الالتحامات القوية بلا إصابات، وهذا يتطلَّب البدء ببناء اللاعب ذهنيًّا وفنيًّا وبدنيًّا من تلك السن المبكرة.
في كثير من المناسبات السببُ الرئيس الذي يؤدي إلى خروجنا من المنافسات القوية، هو عدم وجود قاعدة عريضة من اللاعبين البدلاء ذوي القوة البدنية والقدرة الفنية المتقاربة، ليكونوا بدلاء جاهزين لزملائهم الذين يتعرَّضون للإجهاد والإصابة، فعندما يصاب أي نجم من الأساسيين غالبًا ما يجد المدرب نفسه في ورطة، لأن البديل إما أن يكون أقل فنيًّا، أو ضعيفًا بدنيًّا، أو الأمرين معًا! بينما يكون المنافس، خاصةً من أوروبا والأمريكيتين، بل ومن إفريقيا أيضًا، متفوقًا علينا بمستوى البدلاء “على أقل تقدير”.
الاحتراف الخارجي الذي قد يفيدنا، هو الاحتراف الذي خاضه سالم الدوسري وصالح الشهري، وقبلهما حسين عبد الغني، احترافٌ جعلهم في جاهزية بدنية مرتفعة، وبفكر مهني رياضي عالٍ، ومكَّنهم لياقيًّا وفنيًّا ليكونوا علامات فارقة، على الرغم من عدم بدئهم لعب الكرة في سنٍّ مبكرة مثل السادسة أو السابعة، لذا، فإن برنامج الابتعاث الرياضي حاليًّا لا علاقة له بالاستراتيجية التي أتحدث عنها هنا، ولا بالاحتراف الحقيقي الذي يصقل اللاعب بشكل جدّي واحترافي.
على كل حال، بعثتنا السعودية من لاعبين وجماهير وأجهزة ومسؤولين راحوا وعادوا ووجوههم بيضاء، وأعطونا كل ما عندهم وأكثر، وتركوا خلفهم صورةً مشرِّفة، ولله الحمد، فشكرًا لسمو سيدي ولي العهد، الداعم الأول للحراك الشبابي والرياضي السعودي التاريخي، وشكرًا لسمو وزير الرياضة، وشكرًا لرئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، وللإخوة في قطر الشقيقة على حُسن الاستقبال والتنظيم والضيافة.