|


تركي السهلي
بشت ميسي
2022-12-19
فازت الأرجنتين بكأس العالم قطر 2022، وتحوّلت كُرة القدم إلى حالة فرح، لأنّها أُنصفت بانتصار ليونيل ميسّي. الفوز الذي حققّته بلاد الفضّة هو فوز للعبة المعشوقة من البشر في كُل أصقاع الدنيا.
المشهد الأكبر كان حينما ألبس الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، البشت العربي في مراسم تسليم الأعجوبة كأس العالم، كانت رسالة للأجناس كُلّها بأن العرب لا ينسلخون من هُويّتهم إرضاءً لأحد، وأن الأمم التي تُجيد قراءة موروثها لن يهزمها أحد.
لقد أعطينا العالم كُلّه جرعة نظافة، وانتصرنا للطبيعية في الإنسان، وبنينا في الدول التي كانت ترى بأنّها أكبر وأكثر حُريّة مفهومًا راسخًا بأن الفرد الحُر لا يقبل أن يجعل من حملات خرساء صوتًا للشعوب، وأن بإمكان الدول المُستقلة أن ترفع رايتها الموحّدة للإنسانية لا المُفرّقة لها.
إن كأس العالم، الذي انصرم بالأمس في الدوحة، أكبر بكثير من مُجرّد منافسة دول في ميدان كرة قدم على كأس مُذهّب، وهذه عظمة اللعبة وتفسيرها العميق.
جاءت معظم دول أوروبا، ومعها الولايات المتحدّة الأمريكية، وفي الذهن قطع التسلسل، ومحو القيم، وجعل الانحلال عنونًا لسياساتها في بطولة شعوبية، فتمسّكت قطر بموقف الكبار، ومعها كانت الدول العربية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، التي وضعت كُل إمكاناتها رهن القطريين.
إنّ النجاح الأكبر للإنسان هو رفض “المفروض” الخاطئ، والتمسّك بالصحيح النابع من إيمان وقدر كبير من فهم التركيبة الخاصّة، وهذا ما فعلته الدولة الخليجية دون أن يكون هناك صوت مرتفع.
لقد أنهت البطولة العالمية مفهوم الفرض، الذي تحاول أن تنتهجه ما يسمّى بالدول الكُبرى، وأوقفت تحويل الإنسان العربي والمُسلم إلى تابع موافق على ما تريده من تغيير باسم الحقوق أو باسم حُرّيات الفرد.
إنّ اللباس العربي فوق جسد اللاعب الأرجنتيني رمزية كبيرة أذهلت العالم بأسره، وأعادت النظر إلى أن الالتزام بالحدود هو مُنتهى الحُرية ومقصدها الكبير.
إنّنا الآن بصدد العودة إلى زمن ما بعد البطولة، والبدء بمرحلة مراجعة المُمارسات، والنهوض من جديد، وبأيدينا أعلامنا الوطنية، لا الألوان المتداخلة، والاستفادة من كُل درس التقطناه من كأس العالم.
لقد أعطانا الملتقى العالمي الكثير من العِبر، ولم يعد أمامنا إلاّ أن نُقدّم إرثنا العريق في كل وقت يكون هناك حدث، وليس لنا بعد الآن خوف أو خجل أو تغييب حتى للجمل والنخلة والسيف والثوب والغترة والبشت.. ذلك الذي ارتديناه منذ أمد ولن نخلعه.