|


أحمد الحامد⁩
أوقات من ذهب
2023-01-19
ـ حب العائلة حب حقيقي، ولا يندم المرء عندما يكبر سوى على الأوقات التي قضاها بعيدًا عن عائلته، يضيّع الإنسان آلاف الساعات في اللا شيء، يجلس في المقهى مع أصدقائه ليعيدوا حكايا مكررة، وليفتحوا نقاشات سيدركون لاحقًا أنها كانت نقاشات جهل، وبعيدة عن أي معرفة حقيقية أو معلومات مؤكدة.
لا أقصد الجميع، لكني أقصد الأكثرية، وكنت واحدًا منهم. اليوم أأسف على ليال كثيرة قضيتها بعيدًا عن عائلتي، قضيتها مع أناس لا أتذكر أسماء بعضهم، حتى هم فعلوا الشيء نفسه، ولو عاد بي الزمن لأعطيت هذا الوقت لعائلتي، وعززت الروابط بيننا أكثر، الروابط التي لا تبنى إلا بقضاء الوقت معًا، وصناعة ذكريات تنبت المحبة والرحمة.
ـ قبل شهر ضاع رجل في البحر، بعدما جاءت عاصفة وأخذت قاربه الصغير بعيدًا عن الشاطئ حوالي 220 كيلومترًا. بقي في البحر مدة 24 يومًا، ومن حسن حظة أنه كان يحتفظ في قاربه بعبوة كاتشاب، ومكعبات من المرق، ومسحوق الثوم، فقام بخلط المكونات وتناولها طيلة الـ 24 يومًا، وكان مما يحتفظ به مرآة صغيرة، قام بتحريك المرآة نحو شعاع الشمس، فانعكس الشعاع على المرآة، مما سمح لطائرة في السماء من مشاهدة الانعكاس والقارب الصغير. يقول الكولومبي إلفيس فرنسوا بعد أن أنقذته البحرية الكولومبية إنه وبعد أيام قليلة من ضياعه في البحر فقد الأمل بالنجاة، وقف عقله عن التفكير إلا من التفكير بعائلته، ومواجهة حقيقة الرحيل عنهم للأبد، تذكر كل الأوقات التي قضاها بعيدًا عنهم دون سبب مهم، وقرر لو كتبت له النجاة أن يهتم بعائلته كثيرًا، ولن يضيع الأوقات بعيدًا عنهم. بعض الحوادث تعتبر نقطة تحول في حياة الإنسان، فينتبه إلى ما لم يكن منتبهًا إليه، تعيده إلى ما يجب أن يكون عليه، في أن يستثمر وقته في أفضل صورة ممكنة، مثل الاهتمام بالعائلة، لكن الحقيقة أن الاهتمام بالعائلة لا يحتاج إلى نقطة تحول تعيد الإنسان إلى عائلته، لأن العائلة هي الأصل، وهي الحياة الحقيقية، هي الثابت والباقي متغيّر.
ـ معظم كتب السيرة الذاتية التي قرأتها كانت تنتهي بحقيقة أن العائلة هي مصدر السعادة الأول، ومع أن أصحاب السيّر من ذوي النجاحات والإنجازات، إلا أنهم كانوا يؤكدون أن النجاح الحقيقي في تكوين علاقة ملؤها الحب والود مع أفراد العائلة. طافوا البلدان وشغلوا مناصب متعددة، استلموا الجوائز ونالوا شهرة واسعة، كل ذلك لم يسعدك بقدر السعادة التي تمنحها العائلة.