|


سعد المهدي
سكران داخل المعسكر
2023-03-26
أحتاج إلى “أندريا بيرلو”، أحد أساطير الكرة الإيطالية بين الحين والآخر، من أجل أن أدلل على أن اختلاف الثقافات موجود أيضًا في (عالم الكرة)، ومعه يمكن أن يختلف الحكم على شيء واحد، ينتظر منه نتيجة واحدة.
نحن “مثلًا” نتسابق على النفخ في قصة، خلاف أو مخالفة “هامشية” أو “مفبركة “ تمت في معسكر ناد أو منتخب، ونتبعها بمطالبات لإيقاع عقوبات مشددة على المتورطين، ونفتح الباب للتساؤل ما إذا كان المشرف والإداري على الفريق يصلح أن يستمر في عمله بعد هذه الواقعة، كما نسارع في ربط النتيجة السلبية للمباراة أو البطولة بها، وأن لولاها لتحققت كل الآمال.
لكن “بيرلو” في كتابه “أنا أفكر إذا أنا موجود”، روى أنه في إحدى الليالي بمعسكرهم بمدينة فلورنسا في الطريق إلى المونديال، منحهم مدرب المنتخب “ليبي” الضوء الأخضر للخروج بضع ساعات، ثم العودة، فخرج الجميع عدا “جاتوزو” بقي في الفندق، وعند عودتهم وجدوه في حالة سكر متقدمة، فخطرت لهم فكرة مضايقته، حيث قام “دي روسي” بتناول طفاية حريق، وقاموا بطرق باب الغرفة وعند خروجه أفرغ “روسي” محتوى القارورة كاملًا عليه، بعدها جرى عراك بالأيدي ومطاردات بين غرف وممرات المعسكر، وانتهى الأمر في النهاية إلى حصول إيطاليا على بطولة “مونديال 2006م” بفضل هؤلاء اللاعبين.
ما قام به “جاتوزو”، لم يكن ليسمح به مسؤول عن معسكر لفريق رياضي في العالم لكنه حدث، وما جرى من زملائه الذي لا يبدو طبيعيًا، لم يتسبب في معاقبتهم إداريًا، (الاختلاف) كان في تعاطي الإدارة الإيطالية التي لم ترَ أن الأمر يستحق حينها قرارًا انضباطيًا، ولا حتى التعليق عليه، وبالتالي لم يكن للصحافة أو الجمهور الخيار في النقل أو ردة الفعل، ومن هنا يمكن نسب هذا لثقافة العمل الإداري الذي يكيف ما يجوز أو لا يجوز، بحسب القواعد التي ارتضاها، أو جُبل عليها.
هذا يؤكد أن القدرات الإدارية، تلعب دورًا أهم من “ثقافة المجتمع” أو ما اعتاد عليه وصار مقبولًا أو غيره، ذلك حين تفرض سياستها بالأسلوب الذي يضمن تحقيق أهدافها بحيث لا تجعلها في مهب الريح، حين تجعل الإعلام والجمهور يملك القدرة على التأثير في إصدار القرارات، خاصة وأن الجهتين “الإعلام والجمهور” كلتاهما بعيدتان عن الواقع، ومغرمتان بالنموذجية المتغيرة بحسب الأهواء، ومغيبتان عن المعلومات أو أسري لمصالح مصادرها.