|


تركي السهلي
لقاء الصائمين
2023-04-18
لم يكن النصر حالة عابرة منذ أن تشكّل منتصف الخمسينيات الميلادية، ولا الهلال. هما العمق المتجذّر من تربة الدرعية، والرياض، والعارض، وسدير، والوشم، و”داورد” و”وادي الرشا”، والقصيم، وحدود الجبل شمالًا.
هما الجهات المحيطة بـ”نجد” والتفاصيل القديمة الجديدة من الصخور، والبحور، ونباتات الصحراء، ومناطق الرعي، ووجوه أهل البادية، وكرم النخيل. هما اللذان ابتعدا عن الأماكن الضيّقة في شارع “ العصارات” إلى جبل “القارّة” في الأحساء وأمواج “ الخليج” شرقًا، هما اللذان رافقا خط “البيب” من منبع النفط حتى الناس في عرعر والجوف وتبوك، هما اللذان سكنا نجران، وعسير، والباحة، وجازان. لم يتسع مثلهما أندية في السعودية، ولم يقتسم الانتماء غيرهما. هُناك أندية “فئات” ومكوّنات صغيرة، وهناك نصر وهلال.
لطالما تجاذب أزرق “العريجاء” وأصفر “طويق” كما يتعاقب الليل والنهار، كما هُناك قمر وشمس، وهما في كل الحالات ضدٌّ يُظهِره ضدّ.
اللقاء اللّيلة هو لقاء الصائمين، فلا الهلال بحالٍ جيّد، ولا النصر في وضع استقرار. لكلّ واحد منهما حاله التي تشغله، ولكن لا مفرّ من المواجهة وطحن التاريخ، والإفطار على حنطة الآخر.
إنّ النصر أطول أمدًا في الصوم، وهو يُحاول منذ سنوات دخول المطبخ العامر، وطرد الجوع. وفي الهلال جزء من شبع، لكنّه لا يعتبر غريمه العاصمي إلّا كافيًا عن معظم الأطباق داخليها وخارجيّها وهذه حالة لا يعرفها ويستطعمها إلّا الهلالي نفسه.
لقد تسابقت الخُطى نحو الفوز مرّات كثيرة، ووصلت إلى المُبتغى في أحايين عديدة فكرة الانتصار دون حصد بطولة، لأنّ مقابلة النصر بالهلال تُشبه إلى حدٍّ بعيد لحظة الوقوف على أرض معركة فيها سقوط ونجاة، ولا مغنم معها ولا كسب.
إنّهما الغريمان المقتسمان للجغرافيا المُحاربين للتاريخ. إنّهما التضاريس المنبسطة والمتعرّجة والأجواء المُتقلّبة، إنّهما النداء والعناء، واللاعبان بأطراف السيوف. هُما اللذان لا توازن، ولا مقاسات، ولا هدوء، ولا ظلام لهما ولا ابتدار.
الرحلة هذا المساء مُضنية قبل أن تنطلق، وستكون عند نقطة الجماهير مثل ما هي لهم عند مُنتهى المسافة. ستكون المباراة مطابقة لحسابات العيد، سطوع واضح وملابس زاهية ليوم واحد فقط أو احتجاب عن نورٍ وساعات لا مواقف فيه وألوان باهتة.
إن بطن الوادي ليس كما سفح جبل، ولا الانتظار عند البئر مثل الارتواء من ماء السماء. إنّ النصر الطقوس والنفوس، والهلال التميمة والطلمس.