|


أحمد الحامد⁩
كلام ويك إند
2023-04-28
ـ لست ممن يصدقون مقولة (سبع صنايع والبخت ضايع) وأعتقد بأن ذا السبع صنايع لا يجيد واحدة منها إجادة تجعله متميزًا ولا يستغنى عنه. صديقي سالم متعدد أنصاف المواهب، فهو كهربائي، لكنه ليس جيدًا، وميكانيكي، لكنه ليس متميزًا، وهو يجيد صناعة الحلويات غير اللذيذة، لم أكن أعلم بعدم إجادته إلا بعد أن جربته في بعض ما ذكرت.
كان كثير الكلام عن نفسه وكنت أصدقه، قال بأنه يستطيع تمديد الكهرباء لبناية كاملة، ولا يحتاج إلا لمساعد صغير، وقال بأنه تعلم الميكانيك لأنه عمل منذ صغره في هذه المهنة، أما موهبة الحلويات فظهرت متأخرة، وقال عن نفسه بأن لديه يدين سحريتين. عندما اتصلت به لكي يمدد الكهرباء لغرفة صغيرة جعلني أنتظر عدة أسابيع، وعندما مدد الكهرباء للغرفة وغادر اكتشفت أنه قطع الكهرباء عن أنوار الصالة! أما الميكانيك فلم أجرب موهبته، لكن صديقًا مشتركًا جربها عندما اصطحبه لمزاد السيارات كونه خبيرًا، عاين سالم السيارة وتفحص ماكينتها ونصح بشرائها قائلًا بأنها (لقطه). اشترى صاحبنا السيارة على مشورة سالم، لكنه تفاجأ بأن في السيارة أعطال كبرى، فدفع لتصليحها أكثر من ثمن شرائها! أما الحلويات فلم تكن متميزة، بالعربي شغل عادي، لكنني اضطررت لمجاملته، لأنه كان يشاهدني وأنا أتذوق الحلوى فاتحًا عينيه ومرددًا: ها.. شرايك.. بالله عليك موحلوه وأحلى من المحلات؟ كنت ضيفًا عليه فأجبت مجاملًا: حلوه! مشكلة سالم أنه لم يركز المدة الكافية في شيء واحد، يعرف أشياءً عن أشياء، لكنه لا يعرف للمستوى الذي يحتاجه الناس فيه، ولو كان ماهرًا في شيء واحد لما ضاع بخته!
ـ في إيطاليا بيوت معروضة للبيع سعر الواحد منها يورو واحد، لكن البلدية هناك لن تعطيك البيت إذا ما أعطيتها اليورو، فهو سعر رمزي ويعني قبولك بترميم البيت والإقامة فيه، أما الهدف فهو إحياء القرية التي هجرها الكثير من الشباب للمدينة، والظاهر أن فكرة البلديات، بعرض البيوت المهجورة بأسعار لا تزيد عن تكلفة الترميم، نجحت، لأن بعض القرى بدأت بالانتعاش، وبدأت تتشكل فيها حياة جديدة يصح القول بأنها ذات طابع عالمي بسبب تنوع الجنسيات، لكنني لاحظت أن أكثر المشترين من المتقاعدين، ومعظمهم يبحثون عن حياة هادئة، بعيدًا عن صخب المدينة ووتيرتها السريعة. فكرة الحياة في القرية تلح على البعض عندما يبلغون سن التقاعد، ومع أنها منتشرة إلا أنني لا أرى أنها مناسبة إن لم تكن بداية جديدة لعمل جديد، لأن المتقاعد شديد الخبرة، وسوف تكون القرية مملة إن لم يستغل خبرته ويشغل وقته، هذا ما تعلمته من صديقي أندرو الذي يبلغ 78 عامًا، تعرفت عليه عندما كنت أقيم في بلدة صغيرة، فهو مشغول طوال الوقت، وجدول مواعيده مزدحم، بالكاد أراه مرة في الشهر، مع أنه تقاعد منذ 15 عامًا. أما اللذين يختارون الحياة بعيدًا عن المدينة دون ممارسة أي عمل فهم مثل الذين اختاروا النهاية وهم على قيد الحياة!