|


أحمد الحامد⁩
كبسة يا معلّم!
2023-06-08
يقال إن الأمنية تبقى في قلب وعقل صاحبها ولا تغادره، حتى الأفكار تعود لتذّكر بنفسها، تمر في الذاكرة متسائلة: هل تتذكرني.. هل تخليت عني؟ أو أن تقول أمنية: ما الذي شغلك عني وأنا أمنيتك؟ وحسب علمي أن ذاكرة الإنسان كبيرة، وأكبر من أكبر ذاكرة كمبيوتر، وما نعتقد بأننا نسيناه إنما هو محفوظ في ملف من ملفات الذاكرة، ويظهر في وقت معين حسب الظروف، وهذا ما يفسر استرجاع الذكريات عندما نزور أماكن طفولتنا أو أماكن مررنا بها، وإذا كانت الأماكن والروائح تحرك الذاكرة فإن الطموح هو من يحرك الأماني المتأخرة في عقل وقلب صاحبها.
كنت أطمح أن أكون محاميًا، لكن الظروف والتهاون اجتمعا على أمنيتي فأردياها قتيلة، وفي إحدى المرات، ومع بداية تشكل حب المحاماة، ذكرت أمنيتي هذه لأحد الأصدقاء، فحمد الله وشكره ودعاه ألّا أصبح محاميًا، وإلا لكانت نهاية الموكلين السجن وبئس المصير! لا بد أنه كان يمزح، ربما شعر بالغيرة من ذكائي ونباهتي، لأني اخترت مهنة مرموقة، بينما كان طموحه هو أن يكون ممثلًا سينمائيًا في مصر، كانت سينما الثمانينات ونجوميتها، وكان صاحبي معجبًا بالنجوم عاشقًا لمديحة كامل، رحمها الله، كان دائم التفكير بالسفر إلى القاهرة ليصعد سلم النجومية، وعندما طلبت منه أن يريني مشهدًا يثبت فيه قدراته التمثيلية وافق فورًا، وكأنني وقعت عليه من السماء، ربما كنت المشاهد الأول في تاريخه الفني المريع، أدى أمامي مشهدًا قصيرًا لعب فيه دور (كومبارس) كان دوره هو المراقبة من شباك (الغرزة) ثم يقول: كبسة يا معلّم! ثم يتلقى ضربة على (قفاه) من المعلم بعدما تبين أن لا أحد (كبس) على الغرزة! وعندما قلت له بأن دوره دور كومبارس، ولماذا لم يكن هو المعلّم، طالما أن المسأله خيال في خيال، ففاجأني بأنه يحب الأدوار الهامشية، حينها أطلقت عليه لقب الكمبارس، وصار اللقب متداولًا حينها، وعندما التقيته في لندن بعد أكثر من 35 عامًا على مشهد الكمبارس الوضيع تعانقنا فأطال العناق ليسّر في أذني: الناس هنا لا تعرف لقب الكمبارس فأرجوا ألّا تذكره أمام أحد! بالطبع لم أكن أنوي قوله، وبالمناسبة.. الكثير من المشاهد السينمائية المصرية الشهيرة كان أحد طرفيها كومبارسًا. ما الذي أخذني إلى كل هذا الحديث؟ تذكرت.. إنه الطموح الذي يبقى في الذاكرة ولا يغادرها حتى وإن بدى أنه غادر، وهذا ما حدث للصيني الذي تخلى عن الحصول على الشهادة الثانوية عام 1992 بعد محاولات فاشلة، لكنه كان يعود كل عدة سنوات للحصول على الشهادة، ثم يواجه الفشل في كل محاولة. يوم الأربعاء الماضي كان موعد تقديم الاختبارات، وصديقنا الصيني يقدم الاختبار الـ27، قال بأنه أصبح كاهنًا لشدة عزلته بسبب المذاكرة، وإن الحصول على الشهادة أمنيته التي لم يتخلَ عنها منذ العام 1992. بالمناسبة صديقنا ناجح في حياته، وهو رجل أعمال، ادعوا له ينجح ويفكنا!