|


تركي السهلي
منطق السوق
2023-07-31
مع نهاية شهر يوليو، وصل الدوري السعودي ليكون الخامس من بين الدوريات الأوروبية الأعلى إنفاقًا على صفقات اللاعبين في الصيف الجاري بـ 300 مليون يورو. مع نهاية فترة الانتقالات، سيتجاوز الإيطالي، الفرنسي، والألماني، عندما يكون أنفق نحو 600 مليون يورو، حين ذلك، من المرجّح إزاحته الهولندي أو التركي، لدخول الدوريات العشرة الكُبرى في العالم، رغم أن توقيت هذا الهدف لم يحن بعد.
ما تفعله وفعلته السعودية، هو أنّها تعاملت مع مسابقة كُرة القدم لديها بلغة سوق الانتقالات، فقدّمت مفهومًا جديدًا للدوري في المنطقة والعالم، وهي لم تعتمد على صندوق الاستثمارات العامّة في ذلك، وهو الذراع المالي الهائل لتحرّكات الحكومة، بل تجاوزت الأمر إلى بناء ذهنية كاملة قائمة على بناء مركز للنشاط الكُروي وفق معاييرها وبمنطق السوق الدولي، فاتضحت الصورة وفهم أهل الصناعة الأمر.
والحديث الذي أدلى به المدرب الإسباني الكبير جوارديولا، بأن السعودية غيّرت وجه سوق الانتقالات، يصبّ في الفهم العميق لأدوات التأثير وخطوات بناء دوري قوي، بمعدّلات تتلاءم وخصائص التأسيس والاستمرار.
والتحرّكات التي تم وضع خطوطها العريضة لا تعتمد فقط على حزمة الملايين من العملات النقدية، ولا على النيّة بالتواجد في مرحلة معيّنة، بل تتعدى كل الأطر الضيّقة إلى مساحات أرحب، وامتداد زمني لا منافسة فيه إلاّ مع صاحب الفهم الواسع.
إن ردود الأفعال الحاسدة لمشروعنا، الصادرة من البعض في لندن أو من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لا مشكلة معها، ولا تراجع منها، ولا أهميّة لها أساسًا، فنحن قد خبرنا الردود كُلّها في الجولف، الملاكمة، سباقات السيارات، وألعاب الفيديو. وكل الاعتراضات الجوفاء ستستمر مع كل تقدّم سعودي نحو الحياة المختلفة والعيش الإنساني المشترك.
والتحدّي الأكبر أمام السعوديين، ليس جلب لاعبين نجوم من دوريات كُبرى، فقد حدث الأمر، إنّما الطرح الواجب، هو دفع رابطة الأندية المحترفة لرفع مداخيلها من البث التلفزيوني إلى مستويات تتجاوز الإيراد الألماني البالغ 200 مليون يورو. كما أن رفع نسب الحضور الجماهيري المباشر في الملاعب أمر يتطلّب جهدًا كبيرًا من زارة الرياضة عبر تهيئة المنشآت وتقوية بُنية الملاعب وتوسعتها حتى نصل إلى جمهور يفوق الثلاثة ملايين ونصف شخص فاعل في الموسم الواحد.
لقد أعلنّا عن ذواتنا لذواتنا، ولسنا بحاجة إلى أن نثبت ذلك للآخر، إذ يكفي أن ننعم نحن بما نفعله، مع إعطاء الأسواق الدولية جرعة ضخمة من المال كي نجذبها لنا ونتحكّم فيها.