|


تركي السهلي
الأيّام المستوية
2023-08-07
صباحًا، مع “وردك يا زارع الورد” خلفًا من مسجد “العبّاس” وفي الاتجاه نحو “الشفاء” رفقة المطر ومّمرات طارق عبد الحكيم وصوت طلال مداح، تصمت الحقول شاهدة على كُل شيء. ومع الغيم وتعرّجات “كرى” ينزل كريم بنزيما إلى الملعب، وكأنّ الحاضر يُعطي معنى جديدًا لليالي الطويلة التي كتب فيها “محمّد الثبيتي” قصائده الأولى.
القصص في السعودية لا تموت، والحكاية القديمة تعود بوجهٍ مُبتسم. وهُناك في أبها، حيث “السراة” من سلسلة “ساق الغُراب” الآتية من جازان حتى الباحة في المزج بين عسير والحجاز، كما نسجها تمامًا “ يحيى امقاسم”، يرتشف الكرواتي بروزوفيتش قهوة الشعير، ويُعلن عن بدء “العرضة”. ما يتم فعله هذه الأيّام بين السفوح والأودية، يماثل مُباركة الجبال للناس المُسافرة نحو الأيّام المستوية.
وفي كُل التفاصيل، الاتجاه مع الشمس ينتهي بالظُلمة، والوقوف عند الباب القديم، لا يفتح أفقًا نحو السماء، والرؤوس المُرتفعة لا يفعل بها ذلك إلا تشكّل الحُلم.
كأنّ الساعة تدقُّ من أجلنا فقط، كأن لا عقارب تدور ولا ثوانٍ محشورة بين الدقائق إلا لنا، ونحن من يمتلك طبيعة التُربة وأوان اللوز والموز وحبّات التين.
ربطًا، مع الطريق المرتكز في المنتصف من الشرق إلى الغرب، ودون حدودٍ بالطبع، ترتسم ملامح “كانتي” وهو يُهدي الصبية اللاعبين في الطرقات كُرة إفريقيّة هاجرت إلى فرنسا واستقرّت في “شارع الصحافة”. ومع ساديو ماني، يخطّ الساهر في “القديّة” طلوع الفجر، ويلوّح بيديه نحو العابر للرفقة إلى المجلس الفسيح في وسط النخيل الشامخة في “العمّارية”. وعند الساحل الشرقي، حيث اللؤلؤ والبحر الخيّر في الخليج العربي، حتمًا سيرمي الإنجليزي “ستيفان جيرارد” خارطته القماشية في العمق وسيقرأ جيّدًا تاريخ “البئر السابعة” عند “إثراء”.
كُل الألوان تكون جاذبة حين الجديد، ولا تبهت إلا حينما يجهل المرتدي قتل الاعتياد. لا سمار، ولا بياض، ولا تفاحة خاوية، ولا صندوق خشب، ولا قراصنة في السفينة المُبحرة للإعلان عن جزيرة ضخمة مليئة بالفوز، والذهب الأسود. إنّها الصُحبة المجتمعة حول العقائد، والقلائد، والقلوب الفرِحة، وأناشيد الزمان.
اليوم، المُراد ليس شرب الماء الراكد المُتبقّي من لحظة ماطرة، بل الوصول للبئر، وجعل المورد للاتجاهات كُلّها، وللناس كُلّها، وللرياح لزوم السكون فقد أرادت الينابيع الاستقرار. بإمكاننا الآن أن ندعو الرمل ليستمع إلى نداء الجبال.