|


أحمد الحامد⁩
شيح وأسلاك وبستاني
2023-12-07
ـ في مقهى لندني أنيق قال: لقد ابتعدت كثيرًا عن سعادتي في تلك الرمال التي تخضّر ربيعًا، ما زال منظرها عندي أجمل من حديقة ريجنت بارك، وما زالت روائح الشيح والنفل والرمث أجمل من الروائح التي يحملها نسيم الربيع الإنجليزي. هناك لا تكمن سعادتي فقط، بل وجودي وشعوري الكامل بهذا الوجود. لقد بحثت عن السعادة في أماكن كثيرة، لكني لم أجدها صافية هانئة كما كنت أعيشها هناك، إن جلسة على (زولية) السدو هناك أجمل عندي من كل مقاعد المخمل، التي جلست عليها. كانت هذه وصفة السعادة لهذا الأكاديمي، الذي جاء ليضيف شهادة جديدة فوق شهاداته، التي لم يتوقف عن تحصيلها. وصفة تخصه وتشبهه.
ـ وصفة ثانية لعربي لم أشاهده يومًا خارج ورشته الصغيرة لتصليح الأجهزة الكهربائية. قال له أحد الزبائن: ليش ما تترك هالشغلة وتتعين بالحكومة مو أحسن لك.. الناس اليوم ما تشتري راديو ولا مسجلات.. كلو صار عالموبايل.. ما بقى عندك إلا التلفزيونات تصلحها. أجابه وهو يمسك بالآلة الصغيرة المستخدمة لتلحيم الأسلاك: لكني لا أحب الوظيفة.. سبق وجربت الوظيفة فوجدتها عملية خنق بطيء، حريتي في هذا المكان الصغير، سعادتي في البحث عن الأعطال في الأجهزة الإلكترونية، سعادتي في فك هذه الألغاز، رائحة الحرق التي تنبعث من تلحيم الأسلاك أجمل من كل عطور فرنسا، هل تعلم بأني أستفيق أحيانًا في منتصف الليل لأحاول إصلاح جهاز استعصى تصليحه؟ إن عودة الحياة لهذه الأجهزة هي سعادتي وانتصاراتي.. هنا في هذه المساحة الصغيرة يتواجد عالمي الكبير. كانت وصفة سعادته شديدة الخصوصية.
ـ الوصفة الثالثة شاهدتها على اليوتيوب لبستاني أمريكي يتبرع بتنسيق حدائق المنازل، يساعد العائلات التي أهملت حدائقها لأسباب مختلفة. يستغرق عمله في الحديقة الواحدة أكثر من ساعتين، كان محترفًا دقيقًا، حتى أنك لا تصدق النتائج التي تظهر عليها الحدائق. كان حسب قوله يشعر بسعادته التامة أثناء عمله، لأنه يساعد الآخرين ويقضي الوقت فيما يحب. قال بأنه يعمل في وظيفة يحبها منذ سنوات، لكن سعادته الكبرى عندما يشاهد فرحة الأهالي وهم يشاهدون تألق حدائقهم وجمالها.
ـ لا توجد وصفة واحدة للسعادة، كما لا يمكن لأحد أن يمنحك إياها، أو يحدد لك معاييرها، المهم أن تتمسك بها عندما تكتشفها.