|


أحمد الحامد⁩
قلب
2019-02-16
الخيال ينقسم إلى أكثر من قسم، أعرف منها اثنين، الإبداعي واللاواقعي، الإبداعي هو ما تصطاده من وحي عقلك، قابل للتنفيذ الآن، قد يكون ابتكاراً مفيداً، نصاً أدبياً رائعاً، إخراجاً مميزاً لفيلم يحصد جوائز الأوسكار، عملاً إنسانياً ينقذ آلاف الضعفاء، اللاواقعي هو الذي يبحر فيه عقلك أيضاً في عالم من الأفكار لكنها غير قابلة للتنفيذ، شيء خارج قدرات الإنسان حالياً، أو لم يتوصل لها العلم لغاية الآن، كأن تصحو من نومك ثم تفتح نافذة غرفتك وتطير كالطائر لتصل إلى مقر عملك خلال دقائق قليلة، أو أن تكون إنساناً لا مرئياً،
وقد يصبح كل هذا حقيقة في زمن من الأزمان القادمة، لكن الإبداعي والخيالي اللذين يدوران في فلك العقل قد لا يكونان ذا قيمة إذا ما كان يقودهما بطل شجاع اسمه القلب، القلب يشبه لاعب الوسط في كرة القدم، الذي يخوض غمار العقبات ويتجاوز الحواجز ويتقدم نحو المرمى ويجعل من الفكرة حقيقة على أرض الواقع بعد أن يسددها المهاجم الإنسان، عاشت الكثير من الأفكار الإبداعية والخلاقة في عقول أصحابها، لكنها لم تخرج للواقع أبداً بسبب ضعف قلوبهم، بمعنى لم تتوافق أفكارهم الإبداعية مع نوعية قلوبهم، كانت أفكارهم تحتاج إلى قلوب شجاعة وهذا ما لم يملكوه، هناك مقولة يوصف بها الأفراد الذين خاضوا غمار المغامرات وحققوا وصنعوا منجزاتهم، فيقال عن الشخص ذي القلب الشجاع "قلبه ميت"، أي أنه لا "يشعر" بالخوف، وهذا الوصف هو نقيض الحقيقة، والأولى أن يوصف قلبه بأنه "حي" أي أنه شعر فنفذ، أعتقد بأن وصف الشجاع الذي يخوض غمار الحياة ولا يتردد ولا يحبس أفكاره في عقله بأنه صاحب القلب الميت وصفٌ ابتكره المترددون في محاولة لتسكين الأمور والأسئلة التي قد يطرحها عقلهم لهم.. لماذا لم تفعل مثله؟ لماذا لم تنفذ أفكارك؟ أسهل شيء لاختلاق التبريرات التخديرية أن يقال عن الناجح نجاحاً خارقاً إن قلبه ميت وإنه لا يحسب حساب الكثير من الأمور التي يغفل عنها أو أن يقال بأنه شخص محظوظ، حتى الإنسان "الوارث" الذي يحافظ على ورثه وينميه هو إنسان شجاع وقلبه حي، بل إن قدره وضعه في مسؤولية كبرى وتحدٍ يكاد يكون أصعب من الإنسان الذي يبدأ من الصفر والذي لديه مجال أكبر لارتكاب الأخطاء، يعيش أصحاب القلوب الحية، وأسأل الله لأصحاب القلوب الميتة ولي أنا أن نكون جميعًا أحياء عقلاً وقلباً.