|


أحمد الحامد⁩
لمبة صالح
2019-05-20
الإنسان الخبير لديه من الرؤية والصبر ما يكفيه حتى يتبين الحق من الباطل، والمنطقي من اللامنطقي، ومن صفاته أنه غير متسرع لا في الأفعال ولا الأحكام حتى يتبين، أسأل الله أن أصل إلى هذه الصفات يوماً ما.
قبل أشهر أوصلني العزيز الزميل صالح الخليف إلى المطار، في الطريق قال صالح إن الكتابة الأسبوعية أصعب من الكتابة اليومية، لأن الكاتب اليومي يستطيع أن يتطرق لأي موضوع يريد، ثم أشار بيده نحو "لمبة"، وقال: الكاتب اليومي يستطيع الكتابة عن هذه اللمبة!، بينما الكاتب الأسبوعي "وصالح يكتب أسبوعيًّا" مطالب بأن يكتب موضوعاً مهماً وممتعاً، لم يدخل رأي صالح كله في عقلي، لأن الكتابة اليومية التزام وهذا يشكل ضغطاً، لأن الكاتب اليومي يحرص دائماً على أن يكتب شيئاً جيداً كل يوم، وهذا أمر لا يحدث دائماً، على الأقل معي أنا، أحياناً أكتب مقالاً أحرص على قراءته بعد نشره كمراجعة وكشعور بأنه مقال به فكرة أو مجهود، وفي أحيان أخرى أكتب مقالاً ثم أدعو الله ألا يقرؤه أحد، لأنني لست متأكداً بأن ما كتبته كان ذا مستوى جيد، الكاتب يتعرض أحياناً لسوء مزاج، وعلى الكاتب أن يتخلص منه دائماً وأن يكتب بمتعة واحترام للقارئ، وقد يحترم الكاتب قراءه دائماً، لكنه لا يوفق في كتابة ذلك المقال.
قبل أيام وجدت نفسي معجباً "بلمبة" عمرها أكثر من مئة عام، ومازالت تعمل إلى غاية اليوم، دخلت جوجل وقمت بالبحث عن معلومات عنها، اسمها الحالي ضوء المئوية "centennial light"، صنعتها شركة شيلبي الكهربائية في أوهايو الأمريكية، وتعمل منذ العام 1901، عندما تمت صناعتها كانت تعطي 30 واط، الآن طاقتها 4 واط، لكنها مازالت تعمل رغم مرور 118 عاماً، ورغم نقلها إلى أربعة مواقع، ما أدهشني في هذه اللمبة هي "أمانة" صنّاعها في تقديم منتج مصنوع بكل إخلاص واحترام لمن سيشتريها آنذاك، وما زاد من احترامي لصنّاعها هي مهارتهم التي وصلوا إليها، كل صناع تلك اللمبة رحلوا لكنهم تركوا أثرهم المحترم وتركوا رسالة لنا بأن قياس الأشخاص بمستوى عطائهم، وأن احترامهم لأنفسهم يبدأ من احترامهم للآخرين، على هذه الأشياء التي تبدو صغيرة نستطيع أن نفسر إلى أي مكانة قاد التعليم والعلم الولايات المتحدة الأمريكية، وأن التقدم عملية تكاملية يشترك فيها الجميع على كل الأصعدة، من صنّاع اللمبة إلى صناع الطائرة، حتى يتشكل في الناتج الأخير التقدم والتفوق، إعجابي بهذه اللمبة حرضني للكتابة عنها، وعندما قررت أن يكون مقال اليوم عن اللمبة تذكرت الزميل صالح عندما قال إن الكاتب اليومي يستطيع الكتابة عن أي شيء يريد.. حتى لو كان عن لمبة.