|


أحمد الحامد⁩
كان اسمها لعبة الفقراء
2019-05-22
قيل إنها لعبة الفقراء، لأن جميع الفقراء يستطيعون ممارستها حتى دون كرةٍ، يكفي أن تجمع "جوارب" عدة لتصنع "كرة شراب"، وتلعب بها كرة القدم مع رفاقك. الألعاب الرياضية الأخرى مثل التنس الأرضي، والجولف، والبولو، تحتاج إلى "ناس مريشه"، لأن ممارستها مكلفة على اللاعب، كما أن لعبها يحتاج إلى وقت طويل، يصل إلى ساعات عدة، هذا الوقت لا يستطيع الفقراء هدره على اللعب، إذ يحتاجون خلاله إلى تأمين الطعام والمعاش لهم ولأسرهم.
انتبه التجار إلى هذه الشعبية الجارفة لكرة القدم، والتجار عادةً قاطفو فرص، ويرون ما لا يراه الإنسان غير التاجر، لذا قرَّروا إدخالها ضمن الـ "بيزنس"، مستغلين شغف وولع الجمهور بها. صناعة كرة القدم في بريطانيا مثلًا، درَّت على الاقتصاد في 2016-2017 مبلغًا وصل إلى 7.7 مليار جنيه إسترليني "صافي أرباح"، منها 1.1 مليار ضريبة على الشركة الناقلة، و3.3 مليار ضرائب على عقود اللاعبين، أما الجمهور القادم لمشاهدة المباريات من خارج بريطانيا، فوصل عدده إلى 680 ألفًا، وتجاوزت الأرباح منهم 500 مليون، إضافة إلى توفير مئة ألف وظيفة. هذه الأرقام شجعت الأسر البريطانية على الاهتمام بأبنائها إذا ما شعرت بأن لديهم مواهب كروية، ما أسهم في تقديم العديد من المواهب، التي تواجه أيضًا تحديات كبيرة، حيث لا يصل إلى الدوري الممتاز إلا موهبة واحدة من بين كل 300 لاعب موهوب. لم تصل أي لعبة إلى هذه الشعبية، ولم تحصد من الحماس كما فعلت كرة القدم، لكنَّ الأرقام الخيالية التي حوَّلت الكرة إلى صناعة، ينتقل بها اللاعبون من مصنع إلى مصنع، أو من فريق إلى فريق حتى لو لعبوا موسمًا واحدًا فقط، أثارت تساؤلات عدة لدى المشجعين، منها: كيف أشجع فريقًا قد ينتقل نصف لاعبيه إلى فرق أخرى في كل موسم؟ هل يلعب اللاعبون من أجل فريقهم أم من أجل الذي سيدفع لهم أكثر؟ لماذا لا يبقون مع الفريق وهو في أسوأ حالاته مثلما نفعل نحن؟ قبل فترة قال لي رجل إنجليزي في الستين من عمره: إنه لم يعد لديه حماسٌ لتشجيع فريقه الذي اشترى تسعة لاعبين، وغادره ستة لاعبين في موسم واحد! كرة القدم لعبة، يجتمع لمشاهدتها العالم، ومنتخب لدولة ما، يلعب في كأس العالم مباراة مدتها 90 دقيقة، ويحقق فوزًا واحدًا، يسهم ذلك في نشر اسم بلده أكثر مما تفعله وزارات إعلام وخارجية لمدة عام كامل. العالم يتغيَّر.. كل شيء يتجه نحو الـ "بيزنس" والاقتصاد.. كذلك كرة القدم اتجهت نحو هذا الاتجاه.. كرة القدم التي كان اسمها لعبة الفقراء!.