|


أحمد الحامد⁩
نفتح مطعم
2019-08-19
في مشهد من مشاهد درب الزلق يتهكم "حسينوه" على أخيه سعد ويقول له متسائلاً: شنو مشروعك اللي ما ني موافق عليه مقدماً؟
يجيبه سعد: نفتح مطعم، مطعم باجة، وبعدين نفتح محل خبّاز، وبعدين فندق، لأن الزبون بعد أن يأكل يريد أن ينام، "الباجة بتشديد الجيم، وهي أكلة من لحم رأس الخروف وبعض عظامه"، في التسعينيات الميلادية استضفت الراحل عبد الحسين عبد الرضا ومر الحديث بدرب الزلق، كان عبد الحسين قد تحدث في اللقاء الإذاعي عن دخوله سوق الأسهم وربحه مبلغاً لم يكن يحلم بخمسة في المئة منه ـ حسب ما ذكر ـ، ثم حدث ما حدث للأسهم وخسر كل أمواله وأصبح مديوناً، وكان يسدد جزءًا من الدين من الأرباح التي يحققها من مسرحية فرسان المناخ التي قدمها بعد أزمة سوق الأسهم مباشرة، تلك الأزمة التي سميت آنذاك بأزمة "المناخ"، سألت عبد الحسين بعد تجربة سوق الأسهم والضرر الذي تسببت به عليه: يعني لو فاتحين مطعم كان أفضل لكم؟ أجابني: طبعاً لأنه مشروع واقعي، وكان من الممكن ألا نخسر كل ما خسرناه في المشاريع العبثية لو فتحنا المطعم.. ثم هل هناك من لا يحب الباجة؟، كان حسينوه يقول ذلك "عن المسلسل" وقد خسر كل المال الذي كان لديه ولدى أخيه سعد الذي ذهب ضحية ضعف شخصيته وبساطته القريبة من السذاجة، ثم اضطرا بعد إفلاسهما للعمل مع خالهما "قحطة" في مهنة بيع النعال ـ أجلكم الله.
بعيداً عن "عيّارة" حسينوه ومشاريعه التي نفذها دون دراية ودراسة جدوى، بعض النفوس كبيرة وتحاول الوثب دون وجود أرضية حقيقية حتى تقع عليها، تأخذها نفسها إلى ما هو كبير جداً جداً، فيصبح غير واقعي وعبثيا، وهذا قد يكلف الإنسان سنوات حياته، في بعض الأحيان قد تكون لدى الإنسان فكرة جيدة لكنها ليست في زمنها، قد تكون فكرة ممتازة لكن الإمكانات غير متاحة لها، فكرة مطعم سعد "الباجة" كانت الأكثر واقعية والأكثر نسبة للنجاح والتوسع، لأنها فكرة صغيرة غير مهلكة في حال عدم نجاحها، وحجمها معقول لتنفيذها وتتيح لأصحابها التخلص منها بأقل ضرر في حالة الاضطرار للانسحاب منها، يحزنني بعض النبلاء الذين كانت أفكارهم أكبر من ظروفهم وحجم إمكاناتهم، ورغم جمال رسالتهم إلا أنها تصبح حملاً ثقيلاً سرعان ما يقع من فوق أكتافهم.. لكنه يقع فوقهم، مشروع سعد مشروع صغير، والشيء الصغير هو أفضل واقع يستطيع أن يبدأ به الإنسان ويبني عليه.