|


فهد عافت
مسفر!
2019-09-14
ـ أقلّب أوراقي في محاولة لانتقاء ما يمكن قراءته في أمسية أبو ظبي الشعرية في اليوم الوطني السعودي. عمر كامل وعليّ اقتناص أعذب لحظاته المدوّنة. أُباغَتُ بذكرى شغف طفولي قديم واسم مسفر الدوسري:
"في ابتسامة رانيا.. شفت الحزِنْ/
له حفيف جْناح عصفورٍ يرفرف فوق سلكْ يْحاوِل انّه يتّزِنْ/
والرّيح تِصْفِرْ/
وشفتْ مسفِر"!.
ـ على السرير الأبيض يرقد مسفر الدوسري منذ أيّام. طبيب روحي مريض!. الجزء الأحبّ والألطف والأكثر شاعريةً وإنسانيةً من عمري يدخل غرفة العمليّات!. كان الطبيب قد قرّر غدًا الإثنين موعدًا للعمليّة. تم تغيير الموعد، صارت اليوم الأحد، اللهم شفاءً لا يُغادر سقمًا يا رب.
ـ يباغتني مقطع آخر، هذه المرّة من قصيدة لم أعد أتذكّر منها غير هذا المقطع، وأنني كتبتها فيه، وعنونتها بـ"العيون الدوسريّة"!. أحاول جاهدًا تذكّر بقيّة القصيدة لكن دون جدوى:
"الشّتا الساهي/ ملاهي/..
للعصافير.. الفَرَاشْ/..
ويشربك حزنكْ/
تكتب انّك تكتب ويبدا النّقاشْ/..
وتمطركْ مزنكْ/
تسألك أمّ العيال عْن المَعَاشْ/..
وينكسر وزنكْ"!.
ـ كلّما كتبت عن مسفر الدوسري، أرتبك، وتدوّخني أتَاوِيه!، فلا أستظل بجملة واحدة من اتّقاد المشاعر!.
ـ حتى صرت لا أجد للحب ولا عليه دليلًا أطيب تأييدًا وأغلبُ تأكيدًا من عجز الكلمات عن التجمّع في عبارةٍ تشفي غليل!.
ـ كلّ من عرف مسفر الدّوسري شهد بأنه أحد أكثر خلق الله لطفًا وأدبًا وجمالًا وثقافةً ووعيًا وكريم خُلُق. يا للجُمَل الإنشائية!. لا أقدر على أكثر من ترديدها، أنا الذي خبرت مسفر عن قرب، وأدري أنه سيّد المَجاز، لا يُمكن لصاحبه إلا الشعور باتساع المدى ورحابته في حضوره متجدّد البهاء دائمًا!.
ـ سأكتب هو المحبّة تمشي على قدمين، وستكون جُملة إنشائية هي الأُخرى!. لا بأس، بدأتُ أشعر بما للعادي وبما لشبه المحفوظ سلفًا من قيمة كريمة: لو أمعنتُ في المَجاز وفي البحث عن صياغات جديدة مبتكرة، سيظنّ قارئي أنّ هذا مدى إحساسي، سقف مشاعري وكفايتي!.
ـ المَشَاع من العبارات لا تصل ولا تُوصِل، هذا صحيح، لكنها على الأقل تقول لسامعها وقارئها إنّ هذا بالتأكيد ليس كل شيء، وأنّه ليس المُراد أبدًا!. هي بذلك تقلّل من حسرات قائلها وكاتبها وتخفّف من غضبه منها وتقّلل من عتبه عليها!. المجازات حين لا تقدر على شيء: تقوم بتزييفه!.
ـ كيف لِلُغة غير مباشرة، تدّعي الإيحاء الذي يدّعي بدوره الرّحابة، أن تقترب من وصف إنسانية رجل مثل مسفر الدوسري؟!. كيف لها التواقح على أنّ بإمكانها توسعة الفضاء لرجل هذه كلماته في حسابات التواصل قبل خمسة أيام:
ـ "يا إلهي كم تشعر في داخلك بالصّغر والتّقزّم وأنت على السرير في المستشفى مشغول بالبحث عن واسطة تنقلك إلى غرفة خاصة بك بحثًا عن "النّقاهة" و"الوسَع" في الوقت الذي يرقد بجانبك على السرير أحد أبطالنا البواسل قادمًا من الحدّ الجنوبي مصابًا إصابة بالغة...، حينها فقط ستشعر كم أنّ هذا الرّاقد جوارك هو من ضيّقتَ عليه الحياة لتوفّر لنفسك حياة في غرفة خاصة بحثًا عن "البحبحة"، وبأنّ حياتك تافهة ورخيصة فعلًا مقابل حياة هذا البطل.."!.
ـ غدًا، بإذن الله وفضله وكرمه، ينهض مسفر الدوسري، صاحب العمر والشعر والضيق والسعة والحزن والفرح والفشل والنجاح والحب الذي لا يحمل لفرط سعته نقيضًا له!. سوف أمهله يومًا آخر لفرط كرمي، يومًا آخر لا أكثر، بعد ذلك أبتليه بي من جديد، ليقول لي ما أقرأ وما لا أقرأ من قصائد في الأمسية!.