|


فهد عافت
الجوانب الأخرى «بتاعة» الشخصيّة!
2019-12-11
ـ دون سبب واضح، ظلّت اللهجة العاميّة غير قادرة على الخروج من الشعر!. عجزَتْ عن التمدّد في القصّة والرواية والمقالة أو أي كتابة أدبية وفكريّة أُخرى!.
ـ حتى الذين دافعوا عن اللهجات العامّيّة، ووقفوا مع حقّها في النمو والانتشار، إنما فعلوا ذلك في الغالب، ويا للمفارقة، بالفصحى!.
ـ كانت هناك تجارب، نعم، لكنها ظلّت قليلة، ومتقطّعة، والأهم أنه لم يُكتب لها النجاح!.
ـ معظم هذه التجارب كانت خاصة بالصحافة، وتحديدًا برغبة الصحف والمجلّات جذب القارئ بالفكاهة!.
ـ ولأن الفكاهة تكون أكثر ما تكون “زهزهةً” بالعاميّة!. ولأن الضحك ثقافة محليّة بطبيعته!، نجحت بعض التجارب في هذا المجال، لكنه ظل نجاحًا شاحبًا، وغير قادر على تقديم نموذج أدبي حقيقي بحركة مُتماسِكَة مستمرّة!.
ـ حسنًا، ولكن لماذا نجحت العاميّة في الشعر؟!. أظن أنّ مردّ ذلك إلى طبيعة الشعر، وإلى أعلى مزاياه وأوضح فروقاته عن بقيّة فنون الكتابة: الشعر إيقاع، وتنغيم، قبل أن يكون كلمات ومعنى!.
ـ المعنى من أفقر حقيقته إلى أغنى مجازاته، قد يصلح للحكم على أن هذا الشاعر أفضل أو أعمق أو أكثر عبقريّةً من ذاك!.
ـ لكن الشعر يقبل كل من يجيد ضبط “الدّوزنة” ولديه القدرة على الاسترسال بِـ”رتْم” متناغم!. الشعر موسيقى أولًا و...!. كتبت “أخيرًا” وشطبتها: ليس في الشعر أخيرًا!.
ـ سبق للنّحويين أن استبعدوا “عمر بن أبي ربيعة” من حساباتهم، لإدخاله حفنة كبيرة من الكلمات الآتية من غير العربيّة. في النهاية بقيتْ أشعار ابن أبي ربيعة، تُردّد إلى اليوم، هازئة بكل حواجز الأمن اللغوي!.
ـ نزعل؟! نرضى؟! كل من يقول كلامًا موزونًا، بشكل متقصّد، يكون في الشعر وضمن الشعراء!. ما تبقّى مسألة ذوق لا يمكن ضبطه!. كان العرب في غاية الذكاء والنبوغ والفطنة والفهم حين قرروا ببساطة تعريف الشعر بالكلمات الثلاث الشهيرة: الكلام الموزون المقفّى!.
ـ إذن، العاميّة لم تنجح في الشعر لنبوغ الشعراء، ولا لأمر يخص اللهجة، لكنها نجحت لطبيعة الشعر في قبول أي كلام موزون مقفّى: نحن فيما لو سمعنا كلامًا، بأي لغة لا نعرفها، ثم تمكّنا من تمييز الوزن فيه، لقلنا: هذا يقول شعرًا بلهجته!. الشعر “قول” حتى وإن كُتِب!. ـ السؤال يخص بقيّة أنواع الكتابة الأدبية. الرّواية تحديدًا. لماذا لا توجد رواية عاميّة فخمة، خاصةً أن كل رواية مليئة بالحوارات، والأقرب إلى الطبيعة أن تكون هذه الحوارات بالعاميّة؟!.
ـ أفضل ما سمعت في هذا الشأن، رأي عبقري لنجيب محفوظ، أنقله لكم حرفيًّا بعاميّته وفصحاه وقهقهة نجيب محفوظ الفاصلة:
“.. كان قدّامنا طريقين، إما نقتبس لغة الشعب في الحوار، أو نطوّر الفصحى بحيث إنها توحي بلهجة ومعاني اللهجة الشعبية. الحقيقة.. جيلنا كلّه كان عنده غَيْرَه كبيرة على اللغة العربية، بحيث ما “ما يقدرش” يفرّط فيها أبدًا، “دي” كانت أساسيّة، ومن الصعب جدًا “إنك” تجد واحد في جيلنا يرضى يكتب بالعامّي!. لأن.. كانت النشأة تتطلب “كده”.. حقيقي!. “ده” فيه ناس،..، لهم مهارة عظيمة جدًّا في كتابة العاميّة، “أمّا”.. “بيكتب” بالعامّيّة، هاه!، “بيتهيأ” له إن الشخص نَطَق!، فـ.. بـ.. يتهاون في الجوانب الأخرى “بتاعة” الشخصيّة!، “مش واخد بالك”؟!، بينما “اللي بيكتب” في الفصحى “بيبقى” حريص “ع” الكل، لأنه عارف نقطة الضعف “اللي” عنده!. هههههه.. عارف إن “ده.. بـ” يتكلّم بلغة أجنبيّة!، فـ.. “عاوز” يقنعك “بَأه” بالباقي!، “التاني مش” محتاج!، يعني...،.. هـ.. ييجي” المعلّم فلان يقول لك كلمتين بلهجة معيّنة،.. “يِتْهَيّأ” للمؤلف “إنه” قدّم الشخصيّة بالكامل!. و هو إحساس لدرجة كبيرة صحيح”!.