|


سعد المهدي
دكار.. الرهان الحلم
2020-01-18
رالي داكار مستودع لقصص صحفية مشوقة ومثيرة وغريبة أحيانًا، له في كل سباقاته منذ 1979م إلى 2020م حكايات في الصبر والتحمل والبطولة، دراما من التراجيديا والكوميديا والأكشن.
أبطالها من العالم أغنياء ومحترفون وهواة، يسلكون الطرقات الوعرة والموحشة من باريس إلى داكار أول مرة، وتجربة ثانية بين الأرجنتين وتشيلي قهروا خلالهما الصعاب وعاشوا الخوف والعطش، سقطوا في فخاخ قطاع الطرق، فقد بعضهم حياته وتحققت لبعضهم الآخر أمنياته.
المركبات بفئاتها الثلاثة من دراجات وسيارات وشاحنات تعبير عن تنوع يرتكز عليه سباق داكار، يشارك في منافساته المئات من عشرات الجنسيات ومختلف الأعمار، يقطعون الآلاف من الكيلو مترات، يطؤون كل التضاريس ويعبرون الصحاري والبلدات من مدن وقرى يلتقون البسطاء والفقراء في تمازج إنساني عبر مواقف لا تنسى بينهم.
داكار السعودي الذي أسدل عليه الستار أول أمس في “القدية” بعد رحلة 7500 كيلومتر وسط حفل تتويج أبطاله الفائزين على أرض الأبطال ووسط مسؤوليها الهِمام من الهيئة العامة للرياضة الذين يعجز الشكر عن إيفائهم حقهم وعلى رأسهم الأمير عبد العزبز بن تركي الفيصل ومساعدوه وفريق العمل من الهيئة، كان مساء فخر لبلادنا عبر عنه بوضوح نجاح التنظيم غير المسبوق بدءًا بالاختيار وامتد لأيامه التي تابعها عشاق الراليات في كل العالم بانبهار وإعجاب شديدين.
ما جرى على أرضنا وهضابها وسهولها ورمالها، كل تشاكيل تضاريسها، صحاريها الشاسعة ومناخاتها المتنوعة الآمنة المطمئنة، شكل حالة فريدة، هو أيضًا كان أفضل ما يمكن أن تكافئ به هؤلاء المغامرين الذين شقوا عمق صحراء الجزيرة العربية وألهبوا الحماسة والفخر في أهلها الذين بادلوهم التحية وكرم الضيافة وحسن الوفادة أينما ضلت عجلات مركباتهم الطريق أو توقفت لالتقاط الأنفاس.
طوت داكار من تاريخها منغصات الأمن والسلامة التي افتقدتها كثيرًا في صحاري إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وتحول الرالي إلى متعة المغامرة ومشقة الانتصارات، وتحققت قيمها ومبادئها وعدالة منافساتها، هكذا عبرت وجوه مسؤولي المنظمة التي وجدت ضالتها في مرحلة اختارت أن تكون “داكار السعودية” المكان والزمان والحلم الذي راهنت عليه ولم يخذلها.
أسدل الستار على “داكار” وستبدأ قصصه وحكايته وذكرياته العالقة في الأذهان تحيك قصصًا تحكى موشومة على منحدر جبلي القدية، معطرة برمال الربع الخالي وصحاري بلادي في انتظار مواسمها المقبلة، في شوق وعزم على جولات من التحدي بين أبطاله، ولهفة عشاق منافساته.. كان حدثًا استثنائيًّا وكفى.