|


فهد عافت
عنتريّات الرقيب!
2020-01-22
على الدّوام، ظلّ يغيظني منع الرقيب للكتب. لكني، وأعترف، كنتُ أشعر بغيظ أكبر، غيظ حقيقي بمعنى الكلمة، في كل مرّةٍ يمنع فيها الرقيب كتابًا سيئًا!.
ـ لقد كان منع الكُتُب الجيّدة بالنسبة لي أمرًا يُمكن فهمه، فلا جودة دون جسارة!. ولا جودة دون تفكيك معطيات ومفاهيم سابقة راسخة ورميها جانبًا!. ولا جودة في غياب ما يُربك!.
ـ لذلك كنتُ أتفهم منع الكتب الجيّدة!. بل وكنتُ أعُدّ ذلك المنع إعلانًا لها، وإشارة مباشرة عليها!.
ـ ولهذا السبب بالذات، كنت أشعر بالقرف من الرقيب الذي يمنع الكتب الرديئة، المصاغة بمعلوك الأساليب والأفكار!. ذلك لأن حجبها يُعلن عنها بدويّ، ويمنحها أهميّة قصوى!.
ـ إلى حدّ بعيد، ربما إلى أبعد حدّ، يمكن القول إنه لم يفلح رقيب في منع قارئ من الوصول إلى كتاب يريده!. على العكس، كان الرقيب دائمًا بوصلةً وشراعًا لذلك القارئ!.
ـ منع أي كتاب كان، ولا يزال وسيظل، بمثابة فرز له، وتضخيم لعنوانه، الأمر الذي يُحرّض ويُسهّل الحصول عليه!.
ـ مسكين هو الرقيب!. أمره مؤسف، وحكايته تستأهل الشفقة!. قدّم للقارئ خدمات جليلة، ليس من بينها ما يستحق كلمة شُكْر، أو عِرفان بجميل!. ومن الناحية الأخرى، ربمّا من كل النواحي!، كان مثار تندّر وسخرية وتهكّمات هو أهْلٌ لها!.
ـ دوره انتهى، ولُعبته تخوزَقَتْ، بفضل “الإنترنت”!. عنتريّاته المهزومة منذ البدء، أنهاها الزمن بضربة قاضية من “إنتريّاته”!. كل ما تبقى له من مهنته: مسمّى وظيفي، وراتب، وصِيتٌ لك عليه!.