|


أحمد الحامد⁩
أنا الإنسان
2020-07-12
من أقسى أنواع النسيان هو نسيان المرء لنعم الله عليه، مشكلة هذا النوع من النسيان أنه يكبد الإنسان خسائر فادحة عندما يفقده توازنه وحسن التفكير ومدى رؤيته، روى لي رجل كبير في السن عن حكايته في شبابه.
يقول بأنه مرض مرضًا شديدًا فلجأ إلى الله بأدعية متواصلة، طالبًا من الكريم الرحيم أن يشفيه ويخلصه من عذابه، ثم تمنى لو أنه يشفى حتى لو كان مقابل ذلك ألا يملك طعام يومه، ثم منَّ الله عليه بالشفاء، وبعد عام من الشفاء وانشغاله بالحياة وبسبب مشكلة صغيرة وجد نفسه يقول: ما الذي أخذته من هذه الحياة؟! في فترة الحجر في كورونا، ومع قراءة عشرات الأخبار اليومية عن هذا العدو المجهول وأرقام الضحايا، شعرت بالقلق، وفي بعض الأحيان بالخوف، أثناء فترة المنع والبقاء الطويل في المنزل، بدأت أرى كمية النعم التي كنا قد اعتدنا عليها إلى أن صارت بديهيات وأشياء مضمونة دائمًا، وتساءلت عن أسباب غفلتي عن رؤية كل ما هو جميل، انتبهت إلى أن مجرد شرب فنجان قهوة في مقهى وأنت تشعر بالأمن هي نعمة كبيرة، أن تجد أنواع الطعام من مختلف دول العالم في البقالة القريبة من بيتك نعمة كبيرة، أن تملك خيار الخروج من بيتك والعودة إليه متى ما شئت نعمة كبيرة، ثم عاهدت نفسي إذا ما رفع المنع وبقيت سالمًا أن أعيد قراءة كل ما حولي من جديد، وأن أدرك جيدًا بأنها نِعم من الله تستحق الشكر الدائم، رفع المنع يا أحبتي، ومشيت في المدينة، والتقيت بأصدقائي، وشربت فناجين القهوة في المقاهي آمنًا مطمئنًا ومالكًا لقوت أيامي، بعد مدة اعتدت على الأيام وعلى كل نعم الله، حتى نسيتها كنِعم، ووجدت نفسي بكل رعونة أقول: ملل وتعب هذه الحياة! لم يكن الفارق بين المنع وبين رفعه سوى أسابيع قليلة، لكن الفارق بين ما كنت عليه وما أصبحت فارق كبير، ضرر النسيان لا يتوقف فقط في نسيان المواعيد والذكريات والمعلومات، الإنسان قادر على أداء بعض التمارين التي تقوي ذاكرته، الضرر الكبير في نسيان النعم وفقدان قيمتها، حينها يعيش الإنسان كفاقد لعقله، للشاعر كريم العراقي كلمات أغنية غنتها ديانا حداد يقول في مطلعها: أنا الإنسان والنسيان ثوبي.. أنا وكلمة أنا أول ذنوبي.