|


أحمد الحامد⁩
كلمات صامتة
2020-10-29
منذ أيام ووجهه ماثل أمامي، لكنه الوجه الشاب المبتسم، وليس الوجه الذي سكنه المرض لسنوات، هكذا أصبحت أراه، وأستعيد ضحكاته التي لم يبخل بها إذا مازحه أحد ما، وإن كانت مزحة ثقيلة، عامل الحياة بود، ولم يفّرق في توزيع وده بين كل من يعيش فيها، لذلك شمل المرض بوده، فلم يضع حدوداً بينه وبينه، ولا أدري إن كان يدرك حجم الخطر القادم من عدم الانتباه والحذر من هذا الداء المدعو بالسكري.
وفي الوقت الذي كان يتطلع فيه إلى حياة زوجية سعيدة، كان الداء يتسلل إلى أعضاء جسمه، وأول ما اختار عينيه، أضعف نورهما حتى انطفأ إلى الأبد، ورغم رفقته الجديدة مع الظلام والعكاز إلا أنه كان راضياً، وراح يتحدث عن عالم جديد، عن أسرار هذا العالم التي لم يكن ليعرفها لو أنه لم يصاحب العتمة، وكيف أنه حظي بميزة سمع شديد، لم يعهدها لو أنه لم يفقد بصره، بقي بصحبة ابتسامته دائماً، يخرج هاتفه ويبحث في محرك البحث الصوتي، ويذكر كل ما هو مخصص من تطبيقات للعميان، وكيف يعرف تحركات لاعبي أرسنال، وموقع المقعد الذي جلس عليه عندما حضر في ملعب المباراة، كنت كلما التقيته في المناسبات القليلة خلال الفترة الماضية، أخرج متعجباً من قوته فأشاهد ضعفي بوضوح، أنا الذي أرى فأركض وأسافر وأسبح وأتسلق وأتملل وأحزن وأنزوي، كان اللقاء معه طاقة جديدة أستلهمها منه، فأعيد حساباتي من جديد، وأدعو الله له بالشفاء، وأن يبقيه هكذا قوياً، لكن داء السكري لا يعرف المهادنة ولو للاستراحة، إنما يعرف الدقة في الحسابات، وتخضعه جرعات الأنسولين في مواعيدها، فتبقيه حائراً، لا مهزوماً ولا منتصراً، أما صاحبي المبتسم دائماً، فلم يكن يحسب حساب عدوه الذي تسلل إلى مواقع جديدة، فاحتل الكبد والكلى، فضعفت كل دفاعات صاحبي وانهارت، قبل أيام.. عندما عدت من وداعه، كنت أشعر بحزن عميق صامت، لم تخففه كل كلمات الأصحاب الأقرب منه، الذين شاهدوا في الأيام الأخيرة كيف أتعبه وأضعفه المرض، للدرجة التي رأوا فيها أن في بعض الرحيل راحة للراحل، كان الصمت الذي تملكني مليء بالكلمات، تشبه الكلمات التي قالها خالد تاجا عندما مات صديقه: “أنا زعلان على حالي لأنه دائماً بعد الموت، اكتشفت أني ما اطلعت منيح بعيون اللي ماتوا، بندم لأني ما قعدت معهم أكثر، ما حكيت معهم أكثر، ما شبعت منهم”.