|


أحمد الفهيد
"كمية الحياة" في الجسد.. و"كمية الحياء" في الدم
2018-01-13

 

«الملك كازا» لم يستسلم بعد، لم يخلع قميصه، وأبقى على حذائه مربوطًا، وبقي هو مستعدًّا للركض وراء الكرة، وتمريرها، وركلها.. هو جاهز كذلك لتسجيل هدف والاحتفال به، وكسر رقم جديد!

 

«الملك كازا»، أو كازيوشي ميورا، المهاجم الياباني وعمره 50 عامًا، وقع عقدًا جديدًا مع فريق يوكوهاما، ليستمر موسمًا آخر.

 

وبذلك يكون قد قضى 33 عامًا على التوالي في ملاعب كرة القدم، لاعبًا محترفًا في ثلاث قارات!

 

الياباني المخضرم، سعيد جدًّا بحدوث هذا، ويقول إنه «سيلعب دائمًا بقلبه»، ولن تتوقف محاولاته في تطوير أدائه أبدًا.

 

يا لهذا القلب الشجاع، ويا لهذا الجسد الذي لا يذبل، ويا لهذه الروح المقتبسةُ من نفحة حياة لتوِّها بدأت..

 

لكن، هل «ميورا» في هذا وحده؟!..

 

لا، ليس كذلك.. القائمة طويلة، ولامعة، ووهجها تاجُ على رأس التاريخ، لا يراه «المرضى».

 

 الكاميروني روجيه ميلا كان في الثامنة والثلاثين من عمره، حين سجل أهداف بلاده الأربعة في كأس العالم 1990، كان يسجل ويرقص، بل إنه كان يغرس في كل قلب إفريقي حقلًا من أشجار الفرح الباسقة، تتدلى منها قطوف دانية، ثم عاد ثانية في كأس العالم 1994؛ ليسجل هدفًا جديدًا لمنتخب بلاده، بينما كان قريبًا من الاحتفال بذكرى ميلاده الـ 42.

 

الألماني ميروسلاف كلوزه، أصبح في سن السابعة والثلاثين الهداف التاريخي لألمانيا كلها ولكأس العالم، حين سجل هدفين في مرمى منتخب البرازيل، متجاوزًا بهما رقم البرازيلي الساحر رونالدو دي ليما، الذي عذب حراس المونديال طوال سنوات بـ 16 هدفًا، لسع بها شباكهم كما يلسع الفارس ظهر الفرس بالسوط.

 

الإنجليزيان بول سكولز، ورايان غيغز، كانا يحرثان ملعب الأولد ترافورد وملاعب عالمية أخرى، ويبذران فيها التمريرات المبهجة، والأهداف المدهشة، المنعشة، بينما كان قلباهما يلهثان على حافة الأربعين من العمر.

 

الإيطالي باولو مالديني، لم ينزع الغطاء عن تلويحته الأخيرة، إلا بعد أن قضم من تفاحة عامه الـ 41 عدة أشهر، غادر وفي جسده وقلبه شيء من قوة البقاء.

 

إذًا وحده اللاعب من يعرف «كمية الحياة» في جسده وروحه، وهو وحده أيضًا من يعرف «كمية الحياء» في دمه، اللازمة للانسحاب من المشهد؛ ليصبح أكثر منها وأكبر ويعتزل.. فلماذا نقحم أنفسنا في ذلك؟ لماذا نصرّ على تحديد رقم من العمر "عمر لاعب كرة القدم" يجب أن توضع فيه علامة النهاية، وتُفتح بوابة الخروج؟!

 

لماذا يتحمل المخضرمون هزائم أنديتهم، حتى وهم على مقاعد الاحتياط؟ ولماذا يوصم المدرب بالفشل؛ لأنه قال للاعب «خبير»: البس قميصك.. ستلعب أساسيًّا؟!

 

تختلف القوة من جسد إلى آخر، تمامًا كما تختلف الرغبة في روح وأخرى.. هناك لاعبون «كبار» يبقون أقوياء حتى وأقدامهم ترجف من شدة التعب "تعب العمر والمشوار الطويل"، وهناك لاعبون «صغار» ينهارون سريعًا حتى وأقدامهم مغلفة بالحظ السعيد "حظ النجاة من الإصابة، والمصائب"..

 

لذا، لنترك الأمر لهم، هذا قرارهم.. وعلينا أن نترك المدربين يقررون من سيلعب ومن سيبقى على مقاعد البدلاء، ومن عليه أن يوقع عقدًا جديدًا، ومن عليه أن يغلق الباب وراءه وهو يغادر الملعب.. ولنكتفِ نحن بقول رأينا في الأداء، نعم في الأداء فقط، بغض النظر عن العمر.. فهل هذا ممكن؟!