|


د. محمد باجنيد
أعراس آمنة.. يا (سمية)
2010-08-06
بالطبع لن تتعجبي ـ يا سمية ـ لو قلت لك بأنني قد قرأت الرواية في نفس الليلة ونمت معها وأكملتها بعد صلاة الفجر.
(أعراس آمنة).. هي أول رواية أقرأها لـ (إبراهيم نصر الله) مع أنها – ربما – من أواخر ما كتب في سلسلته (الملهاة الفلسطينية)!.. أي حياة – يا سمية - هذه التي عشتها مع رندة ولميس والجدة وآمنة (آثار الحكيم) كما كانتا تظنان رندة ولميس!
أعراس آمنة رواية حقيقية تحكي حياة الناس في (غزة) في واحدة من أكثر جولات الغدر ومواقف الصمود التي حصلت مؤخراً.. أعراس آمنة.. استنطقت كل شيء.. نعم.. عند (نصر الله) كل شيء يتكلم بلغة تجبرك على أن تنصت.. حتى الصمت كان يتحدث بطلاقة وببلاغة رغم قصر الزمن المتاح له للتجول!.. كل شيء تطوله القنابل والصواريخ والدبابات والطائرات كانت له روح.. الجدران والأبواب والطاولة والكرسي والتراب والقبور.. عند هذا الروائي البارع لا شيء جامد.. لا شيء يموت.. حتى الموت يولد من جديد.. وفي كل ولادة له تنطلق (الزغاريد).. ليس حباً له وإنما كرهاً لهؤلاء (الخنازير)!
النساء يزغردن بعد أن يبكين بعيداً.. ينتظرن ساعة الموت التي تأخذ حبيباً.. يزغردن – يا سمية – وسيكثرن البكاء ساعة تعود الحياة في فلسطين بلا قنابل، بلا غارات، بلا أشلاء، بلا أضواء للنار تملأ السماء!
الحياة في غزة – يا سمية – أكثر صدقاً من حياتنا.. هل تعرفين لماذا.. لأنها كما يرى (نصر الله) ترتبط بالموت والموت أخو الحياة بل توأمها تماماً مثل رندة ولميس اللتين تاهتا بينهما، فماتتا وبقيتا على قيد الحياة!
لا معنى للحياة – يا سمية – بلا حرية.. والناس في غزة يموتون أحياءً ويحيون أمواتاً.. ويعيشون الحرية رغم طول الحصار وبشاعته.. أما نحن فنتساقط كل يوم بلا معنى ركضاً وراء أسهم (خائبة)، وسباقاً في طرق ملغومة بـ (الطيش).. كم خدعتنا الحياة – يا سمية – لأننا لم نتعرف على الموت.. لم ندعه يوماً للعشاء كما يفعل أهل (غزة)!
(عزيز) يا سمية كان يسامر الموت كل يوم.. يصنع لضيوفه مقاعد مريحة.. يواصل عمله ولا يكاد يرتاح.. والموت – يا سمية – كريم في غزة.. يستقبل الكثيرين، وعزيز ظل وفياً له قبل أن يحل ضيفاً عليه!
كم أنا محظوظ بدعوتك لقراءة هذه الرواية الأخاذة.. عذراً فما زلت أراك صغيرة لأنك تكبرين ابنتي شيماء بعام واحد فقط وربما أقل.. عذراً إن وقفت مندهشاً أمام هذا النضج الذي تبدينه في تفسير الأمور وفهمها.. ما زلت تلك البنت الصغيرة التي كانت (ترقص) في العيد مع ابنتي خالتها (شيماء ومارية) واختيها (هاجر وسارة).. كنت ربما في السابعة.. ما زلت أحتفظ لك بتلك الصورة.. وأنت اليوم – يابنيتي - تدخلين السنة الثانية في الجامعة وتواصلين هذا الشغف بالقراءة، وحين يكون في مكتبتك روائي وشاعر كبير مثل (ابراهيم نصر الله) فسأرفع لك القبعة، وأكون من رواد مكتبتك!