|


عبدالله الضويحي
يا زمان (الوصل) بالخليج
2010-04-06
مضى قرابة أسبوع على مباراة الوصل الإماراتي والنصر السعودي في إياب الدور قبل النهائي لبطولة أندية مجلس التعاون وما صاحب تلك المباراة من أحداث لم تكن خارجة عن الروح الرياضية فقط، لكن حتى عن طبيعة العلاقات الإنسانية وما يجب أن تكون عليه. وهو أمر لم نكن نألفه في منطقتنا الخليجية وفيما بين دولها وشبابها مما يجعلنا نتحسر على ذلك الزمن الجميل لمنافساتنا الرياضية ولقاءاتنا الشبابية..
وفترة الأسبوع أعتقد أنها كافية لـ (عودة الوعي) وحضور (الفكرة) وخروج التفكير وردود الفعل من دائرة العاطفة إلى منطقة العقل.
وكما هو معروف.. فإن مباراة الذهاب التي أقيمت في الرياض انتهت لصالح النصر 3ـ1، وبالنتيجة ذاتها ولكن لصالح الوصل انتهت مباراة الإياب، ليحتكم الفريقان إلى وقت إضافي انتهى 1ـ1 ومن ثم ركلات الترجيح أضاع منها النصر اثنتين وأنهاها الوصل لصالحه!
دعونا الآن نفكر بمنطقية.. بعيداً عن العواطف وإثارة الجماهير والبحث عن المبررات.. وافتعال المواقف.. وإثبات (نظرية المؤامرة).
الحدث.. يمكن تناوله من ناحيتين.. إحداهما فنية.. والأخرى تتعلق بالحدث ذاته، وما حصل فيه من أحداث خارجة عن الروح الرياضية.

أولا :
الناحية الفنية

وأعني هنا نتيجة المباراة.. وخسارة النصر وخروجه من المسابقة، بعد أن كان قاب قوسين من التأهل للنهائي.. وربما تحقيق البطولة.
كان بإمكان النصر أن يتلافى كل ما حدث لو أحسن التعامل مع المباراة وقدرها حق قدرها وهو الأمر الذي كان متوقعاً من الجميع.. وكانت كل المعطيات قبل المباراة تشير بذلك.
لكن النصر ــ وهذه حقيقة ــ وهو ما أكده الأخوة النصراويون أنفسهم والقائمون على شؤون النادي من أن الفريق في هذه المباراة لم يقدم ما يشفع له بالكسب وما يتناسب مع اسمه وتاريخه.
النصر دخل هذه المباراة بثلاث فرص أدناها الخسارة بفارق هدف وأعلاها الفوز وبينهما التعادل.. محفوفاً بمستوى متميز في مباراة الذهاب ونتيجة كبيرة 3ـ1.. أعلن من خلالها حضوره القوي ليس في المباراة فقط ولكن في البطولة ككل..
هذه العوامل جعلت النصراويين وبالذات المؤثرين منهم وعبر وسائل الإعلام وغيرها.. يتجاوزون في تفكيرهم هذه المباراة إلى المباراة النهائية.. بل ربما إلى ما بعدها وهو التتويج خاصة وأنه سيكون في الرياض.
نسوا عالم كرة القدم.. وطبيعته.. ومفاجآته.. إلى التفكير في بطولات النصر وكم سيصبح عددها!
وإلى عالم البطولات والعودة إليه!
وإلى الآخرين وكيف يشعرونهم بوجودهم؟
وكأن البطولة هي المفتاح السري لكل الدروب
وكأن البطولة هي علامة الجودة للنادي والفريق
الفرق الكبيرة ــ أيها السادة ــ لاينقص من قدرها فقد بطولة
ولا يقلل من قيمتها غياب عن القمة
ولا يؤثر على عراقتها بعد عن المشهد البطولي
الفرق الكبيرة ــ أيها السادة ــ هي التي تمرض ولا تموت
الفرق الكبيرة.. هي التي تنهض من كبوتها وتقف على قدميها
هي التي تعمل.. بعيداً عن الاجتهادات الفردية
وهي التي تخطط بعيداً عن الارتجال
وهي التي تحضر.. بعيداً عن الظواهر الصوتية
وأن تأتي بطولة متأخرة موسماً.. أو موسمين.. أو أكثر.. وتكون بداية عهد مع البطولات.. تحضر معها.. وامتداداً لها.. خير من ألا تأتي.. ولا تأتي البطولات تبعاً لها.
والكل يعرف أن النصر صرف هذا الموسم الكثير من المبالغ المادية والجهود العملية لشراء عقود لاعبين أو التعاقد مع آخرين سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي.. لكنه صرف غير مقنن.
بمعنى أنه لم يستفد من كثير من الصفقات.. بعضها أنهى عقودها وبعضها تحملها على مضض .
وهي مبالغ لو صرف نصفها وفق معايير دقيقة ومقننة لإحضار مدافع يملك صفة القيادة داخل الملعب أو اثنين.. ومثلهما من تحدده حاجة الفريق الفعلية وفق مواصفات وطرق سليمة للاختيار لكانت حالة الفريق أفضل مما هي عليه خلال الموسم من ضعف واضح وثغرات في بعض المراكز الهامة.. بدلاً من البحث أو الاعتماد على أسماء أو نجوم وفق رؤى محددة وأهداف لا تخدم الفريق على المستوى البعيد!
النصر – أيها السادة –
يحمل إرثاً تاريخياً من البطولات ومن العراقة..!
ومن يحمل مثل هذا الإرث وهذه القاعدة فهو قادر ولا شك على العودة إليه.. واستعادته متى عرف الطريق إلى ذلك..
بمعني.. أنه يملك مقومات العودة.. ومقومات التفوق.. لكنه يحتاج إلى استثمار ذلك وترجمته.. ليقدمه على أرض الواقع عملاً ناجحاً مبنياً على أسس سليمة تضمن له استمرارية هذا النجاح لأنها هي السبيل لبقاء الفريق في دائرة التفوق بدلاً من الحلول الوقتية.. أو الإعلامية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ثانياً:
الأحداث
جميل جداً.. أن تتفاعل الأندية السعودية وتتحد فيما بينها.. وتقف متضامنة مع النصر.. وهي رسالة إلى بعض الإعلاميين.. والجماهير الرياضية.. فيما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الأندية.. بصورة عامة.. وتمثيلها الخارجي على وجه الخصوص..!
وإذا كنا ندرك أن ما حصل من بعض جماهير “الوصل” وأقول بعض لأننا نؤمن أن جماهيره وجماهير الإمارات عموماً لا تقر بذلك وهي أرقى منه بكثير..
أقول :
إننا إذا كنا ندرك أن ماحصل لم يأت من فراغ.. وفقاً لقانون “الفعل ورد الفعل” فمن المؤكد ألا أحد يمكن أن يقر هذا التصرف أو يوافق عليه.. بل وترفضه كل القيم والأعراف والتقاليد بغض النظر عن الأسباب والمسببات.
هنا.. لا نريد أن ندخل في الفعل.. ومن هو صاحبه.. ورد الفعل.. ولا من كان يحمل عود الثقاب..!؟ لكن دعونا ننظر للحدث من زاوية أخرى.. ونناقش بروية.. ما بعد الحدث.

شخصياً:

أعتقد أن ما حصل من هذه الجماهير لم يكن سببه (فقط).. تصرف صدر من طبيب نادي النصر.. سواء اتفقنا على أنه صدر منه.. أو لم يصدر.
أعتقد أن هذه الجماهير كانت مهيأة لتصرف من هذا النوع.. وكانت تنتظر فقط الإشارة لتتحرك وفق (ثقافة القطيع).. أيا كان نوع وحجم السبب ومصدره المهم أن يصدر من أحد المنتمين للنصر.. وبصورة استفزازية.. عادية.. كانت أو غير أخلاقية.. صغيرة كانت أو كبيرة.!
بمعني أن ردة الفعل لم تكن آنية.. وإلا لما ظهرت بهذه الصورة.. وهذه الحدة.. وإنما هي كامنة.. تنتظر الإثارة.
أي أنها.. تستند إلى إرث معين سواء كان من مباراة الذهاب.. أو قبلها.. أو خارج إطار هذه المنافسة.. لأسباب لا تخفى على كثيرين وتم تغذيتها عبر وسائل مختلفة.. حتى أصبحت ناضجة.. وكان النصر على موعد معها.
ومن هنا تأتي أهمية النظرة إلى الأحداث.. وكيفية التعامل معها .. وأهمية وجود القيادة سواء داخل الملعب أو خارجه ودورها في إدارة الحدث.
وهنا – أيضا- أعود لما بدأت به المقال.. من أن النصر لو أحسن التعامل مع المباراة.. والتقدير لها.. واحترام الخصم لأمكنه تلافي هذا كله.!
إن فقد النصر للنتيجة.. أو بالأحرى شعوره بقرب فقدها.. وبالتالي عدم التأهل وضياع حلم انتظره طويلاً - لأن وضع البطولة كذلك – انعكس بدوره على تصرفات اللاعبين وفقدانهم السيطرة على المباراة وعلى أعصابهم وإضاعتهم الفرص.. وأهمها ركلات الترجيح التي صارت شبه محسومة سلفاً.. عطفاً على سيناريو المباراة.. كما انعكس بدوره على الإداريين.. والمرافقين في الأجهزة الأخرى.. وهي عوامل لا يمكن إغفال دورها في الحدث.. مع التأكيد على عدم إقرارنا به.. وعلى تخطئة الجمهور.. وما قام به من تصرف.
الانسحاب :

أما ما يتعلق بانسحاب الفرق السعودية من بطولات مجلس التعاون.. والتلويح بهذه الورقة.. فمع اعتزازنا بهذا التضامن وهذه الوقفة..إلا أن التلويح بأي ورقة.. يجب ألا يتم إلا إذا كانت لديك القدرة على رميها في الوقت المناسب حتى يكون لها صداها.
إننا ندرك جميعاً أن قرار الانسحاب ليس قراراً فردياً تملكه الأندية.. لكنه مرتبط بجهات أعلى لها رؤيتها وأهدافها حول هذه البطولات.. ومغزاها وأبعاد المشاركة فيها.
وبالتالي فإن مثل هذا التلويح.. لا يعيد حقاً.. ولا يبني مجداً..
ما يعيد الحق.. ويبني المجد.. هو العمل المنتظم المبني على إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف.

البطولة..
الأثر والتأثير

على أن ما حدث في مباراة النصر والوصل يجعلنا نفتح ملف بطولات مجلس التعاون.. خاصة بطولة الأندية. لنتساءل عن جدوى هذه البطولة.. وانعكاسها على دول المجلس.. ومدى فائدتها على مختلف الأصعدة ؟
نحن ندرك أن مشاركات دول المنطقة الخارجية.. قد تعددت.. واتسعت قاعدتها.. على المستوى القاري والدولي سواء على مستوى المنتخبات أو الأندية.. وإننا مقبلون على زيادة فرق الدوري.. وجولاته.. وفق توجهات الاتحاد الآسيوي.
وندرك أيضاً أن كثرة المشاركات الخارجية تؤثر على انتظام الدوري والمسابقات المحلية.
والدوري القوي.. هو الذي يصنع منتخباً قوياً.. والعكس صحيح.
ومن هنا فإن كثرة المشاركات الخارجية وتوقف المسابقات المحلية من شأنه أن يضعف هذه المسابقات.
وأعتقد أن أمام اللجنة التنظيمية لهذه البطولات وأمام قيادات المجلس تحد كبير لإعادة النظر في مثل هذه الأمور.. وهذه الأحداث التي تتجاوز مسبباتها.. حركة صدرت من لاعب.. أو طبيب.. أو غيره.
كما أن أمامها تحد كبير في إعادة النظر في مثل هذه المسابقات.. وأن تتخذ قراراً جريئاً.. بإيقافها.. أو على الأقل إيقاف جميع المسابقات على مستوى (الكبار) والاكتفاء فقط بدورة الخليج لأسباب معروفة لدى الجميع.. وأن تكون مسابقات الأندية جميعها تحت سن 23 سنة حتى لا تؤثر على المسابقات المحلية، وتحقق الأهداف الأخرى التي يسعى لها القائمون على المجلس وعلى هذه البطولات.

نحن والبطولة

وإذا لم تقر اللجنة مثل هذه الآراء.. وهو أمر متوقع.. على الأقل في هذه المرحلة.. فإننا هنا في المملكة مطالبون بإعادة النظر في تقييمنا للمشاركات الخارجية وفق رؤية متوازنة تجمع بين الفائدة الفنية للكرة السعودية.. والأهداف الأخرى من المشاركة.
نحن ندرك أن الانسحاب غير وارد.. لأسباب يدركها الجميع.. وتنطلق من أهداف عامة للمملكة العربية السعودية.. لكن هذا لا يمنع من تقنين المشاركة بحيث تقتصر هذه المسابقة على تحت سن 23.. خاصة وأننا مقبلون على إعادة تقييمنا لمسابقاتنا المحلية.. واحتمالية أن تكون مسابقة كأس الأمير فيصل لهذه الفئة السنية.. وهي المعتمد بطلها لبطولات أندية مجلس التعاون.. حتى لا تؤثر هذه البطولة على مسيرة الدوري لدينا.. وهو الذي ننشده ونبحث عنه في ظل التوجه نحو زيادة عدد فرق الدوري وجولاته.

رد خاص :

الأخ عوض القرني.. صديق للمنتصف.. ونصراوي صميم.. تصلني كثير من رسائله التي تعبر عن فكر راق ومحب لناديه.
هذا الأسبوع وصلتني منه رسالتان :
الأولى..
يؤكد فيها على أن هناك فرقا تكسب وهي في أسوأ حالاتها الفنية.. لأنها تعرف كيف تكسب.؟!
ويوجه نداءه لمن يهمه أمر النصر.. قائلاً (لا يلبس شعار النصر إلا من يستحقه).
وفي الثانية.. يقول :
(إن النتيجة ستثبت لصالح الوصل وسيكتفى بمعاقبته بالغرامة ونقل المباراة...الخ!
أما الاحتجاج فسيقبل شكلاً ويرفض موضوعاً.. وكأني بهم قد أصابتهم العدوى! )
والله من وراء القصد