|


عبدالله الضويحي
باي .. باي يا عرب
2009-11-24
أستميح شاعر النيل.. وشاعر العربية حافظ إبراهيم.. عذراً في هذا العنوان.. لأنه القائل:
(أرى كل يوم في الجرائد مزلقا
من القبر يدنيني بغير.. أناتي)

أستميحه وأنا المحب لهذه اللغة.. المؤمن إيماناً تاماً.. بقدرتها واتساعها.. وجزالة لفظها وهو القائل فيها ضمن قصيدة طويلة وعلى لسانها:
(وسعت كتاب الله لفظاً وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
أرى لرجال الغرب عزا ومنعة
وكم عز أقوام بعز لغات
سقى الله في بطن الجزيرة أعظما
يعز عليها أن تلين قناتي
أرى كل يوم في الجرائد مزلقا
من القبر يدنيني بغير أناة
إلى معشر الكتاب والجمع حافل
بسطت رجائي بعد بسط شكاتي)

آآه.. كم كنت أتمنى أن أستمر..!!
و(باي. باي. يا عرب).. هي مسرحية لحسين عبدالرضا وبغض النظر عن المضمون.. لكنني أستقي العنوان رمزاً.. للتوديع..!
والوداع هنا.. لمستويات الكرة العربية ونتائجها..
والوداع هنا.. للروح الرياضية.. وإدراك معنى التنافس الشريف..!

العرب ..
وكأس العالم
والملاحظ للحضور العربي في نهائيات كأس العالم يلحظ أن هذا الحضور يضعف في كل مرة عن سابقه كماً.. وكيفاً.. رغم اتساع الفرصة..!
الحضور العربي ـ إذا استثنينا حضور مصر عام 1934م.. لأننا نتحدث عن العصر الحالي.. فقد بدأ مع المغرب عام 1970 كممثل وحيد لإفريقيا عندما كان يتأهل منها فريق واحد من بين 16 فريقاً يشاركون في النهائيات.. والوضع نفسه مع تونس 78 ثم الكويت والجزائر 1982 رغم رفع عدد الفرق 1982 إلى 24 فريقاً.
وظل هذا الحضور رقما ثابتاً في نهائيات كأس العالم حتى تاريخه.. رغم تفاوت فوز هذا الحضور.. بين مد.. وجزر.
الحضور العربي الإفريقي بدأ عام 1970 بالمغرب وغاب 1974.. ثم ظل حاضرا منذ 1978 وحتى تاريخه بكل من تونس (4 مرات)، الجزائر (3 مرات)، المغرب (3مرات)، مصر مرة واحدة.

آسيوياً..
بدأ الحضور العربي عام 1982.. وظل رقما ثابتا.. حتى 2006.. ليغيب هذا العام.. حيث بدأ بالكويت (1982)، العراق (1986)، الإمارات (1990). ثم السعودية منذ عام 1994 حتى 2006.
أفضل النتائج العربية كانت في 1970، 1978، 1982، 1986، 1994.
هذا على المستوى الفني.. وعلى المستوى الكمي.. كانت 1986، 1998.. حيث شاركت ثلاثة منتخبات عربية (إفريقيان وآسيوي واحد).
وفي كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا عاد التمثيل العربي.. إلى المربع الأول.. بمشاركة فريق واحد هو الجزائر.. وغاب عرب آسيا..! لأول مرة منذ ثلاثة عقود تقريباً! رغم أن الفرصة كانت متاحة لمشاركة أربعة منتخبات عربية.. أو ثلاثة على أقل تقدير أحدها آسيوي.
وبدأ.. كل منا يبكي.. أو يتباكى على اللحظة الأخيرة.. وكأنها نقطة التحول والمنعطف الأخير في التأهل ناسين.. أو متناسين.. محطات أخرى كانت هي السبب الرئيسي.. وليس خطأ اللحظة الأخيرة.

.. آسيوياً..
خرجت السعودية من الملحق بهدف اللحظة الأخيرة أمام البحرين.. بعد أن داعبت الحلم قبله بلحظات.. وخرجت بخطأ مدافع.. أو سوء تغطية..
والواقع أنها خرجت قبل ذلك.. وتحديدا منذ أن تعادلت مع كوريا الشمالية في الرياض..! وقبله بأخطاء حصلت في التصفيات.

والبحرين..
خرجت بضربة جزاء ضائعة.. والواقع أنها خرجت قبل ذلك.. فضربة الجزاء ليست كافية لأننا لا ندرك علم الغيب.. وماذا.. بعدها؟!

البحرين..
خرجت لأنها لم تستفد من درس 2006 عندما تعادلت في الملحق مع ترينداد بدون أهداف وخسرت في المنامة بهدف! وتحسم الموقف مع نيوزيلنده في مباراة الذهاب في البحرين!
وفقدت فرصة العمر في التأهل لكأس العالم.. ويبدو أن الفرصة قد لا تحضر كما حضرت.. سواء من حيث نوعية اللاعبين.. أو فرصة التأهل.

.. إفريقيا..
المغرب.. تسجل عداً تنازلياً في السنوات الأخيرة.. وفي هذه التصفيات كانت في أسوأ حالاتها (3 نقاط فقط.. بعد توجو 8 والجابون 9 والكاميرون 13).

أما تونس:
فقد أضاعت فرصة العمر لتسجيل الحضور الخامس.. والرقم القياسي العربي.. والإفريقي.. أو ما هو خارج أوروبا وأمريكا الجنوبية. لكنها نظرت إلى موزمبيق نظرة دونية فخسرت وهي المتصدرة بـ11 نقطة.. منها وهي صاحبة النقاط الـ4. بهدف للاشيء. بعد أن كانت قد كسبت مباراة الذهاب 0ـ2، وأعطت الفرصة لنيجيريا التي لم يكن فوزها على كينيا 3ـ2 كافياً لتأهلها حيث رفع رصيدها إلى 12 نقطة.. لولا خسارة تونس.!

مصر ـ الجزائر
بداية لا بد من التأكيد على أن حديثي هذا.. لا يعني التأسي على خروج فريق.. أو تمني تأهل أحدهما على حساب الآخر.. فمصر.. والجزائر.. فريقان عربيان.. وهما عينان في رأس.. والمهم أن يتأهل فريق عربي.!
دعونا ننظر للمباراة من ناحيتين:
.. داخل الحدث..
..خارج الحدث..
وأعني هنا الناحية الفنية والنظر للمباراة ككرة قدم.!
وامتداداً.. لبداية المقال.. فإن على المصريين ألا يبكوا.. على خسارتهم في أم درمان.. أو يتباكوا! وأن ينظروا إليها على أنها نقطة التحول.!
إذا.. أردنا أن نتحدث عن الواقع.. مصر.. خرجت في الخطوة الأولى من التصفيات وليس اللحظة الأخيرة.. أو على الأقل.. وضعت العراقيل في طريقها.. عندما تعادلت مع زامبيا في القاهرة بهدف لكل منهما.! ولم تكن أفضل حالاً في النظرة للآخر من الجزائر التي تعادلت مع رواندا بدون أهداف على ملعب الأخيرة!
وحسبي أن الجزائر (لعبتها صح) عند الحسم وتحديدا في مباراة العودة في القاهرة.. عندما أدركت حجم الإعداد الفني.. والإعلامي.. والنفسي.. خاصة (الإعلامي والنفسي) والضغوط الممارسة عليها.. (ومن حق المصريين ذلك).. فقدمت المباراة لمصر.!
هذا.. لا يعني أنها قدمتها طوعاً.. أو عدم جدارة مصر.. لكن أعني أنها.. بدأت تخطط لمباراة الحسم الأخيرة فلعبت مباراة القاهرة بفن الممكن.. المهم ألا تخسر بفارق ثلاثة أهداف! وكان لها ما أرادت.. وكان يمكن أن تتأهل كنتاج لحظة الخيارات هذه.. وهي اللعب بحذر وأمان لتحقيق إحدى الحسنيين كروياً (التأهل أو الفاصلة)! فالهدف المبكر جداً.. في نظري لا يعبر عن خطة مرسومة أو مقصودة..! فقد يكون نتاج خطأ.. أو.. أسباب أخرى بدليل أن المباراة سارت أكثر من 90 دقيقة وفق السيناريو الذي أراده الجزائريون.
لهذا.. كسب الجزائريون الفاصلة التي دخلها المصريون على أنغام مباراة القاهرة.. وحمى التفوق.. وبالأسلوب (الإعلامي).. ذاته.. دون النظر إلى الإمكانات الفنية.
كنت في أحد المراكز التجارية.. نستعد للصلاة.. كان أحد الأشقاء المصريين البسطاء يتحدث مع آخر حول المباراة.. قائلاً بما معناه:
(ماخذين معهم فنانين.. مثقفين.. وسياسيين.! لو أخذوا بدالهم كم واحد من الشوارع والمقاهي كانوا شجعوا أحسن منهم)!
هذا نموذج يمثل ردة فعل على نوعية التعامل مع الحدث.!
.. ثانياً:
خارج الحدث:
وأعني.. ما صاحب الحدث.. من الإعلام.. ومن غير الرياضيين أيضاً..!
رسالة sms تلقيتها من الصديق عبدالإله البيشي أحد أصدقاء (منتصف الأسبوع) قال فيها:
(يقال.. الرياضة تصلح ما أفسدته السياسة.. وفي مباراة مصر والجزائر.. الرياضة تفسد ما أصلحته السياسة)!
رأي.. لا يخلو من المنطق.!
وصحيفة الجارديان البريطانية.. أوردت تحقيقاً عن المباراة.. أعادت فيه للأذهان جولة لفريق جزائري قبل أكثر من خمسين عاماً.. في شمال إفريقيا وشرق أوروبا بهدف الترويج لاستقلال الجزائر.. ورفض مصر اللعب مع هذا الفريق.. ثم ما حصل من هجوم جزائري بعدها بعقدين على المصريين في دورة الألعاب الإفريقية بالجزائر.. وما تلا ذلك من أحداث.. ومنها حادثة الأخضر بللومي وهي التي تهمنا في هذا المقام.. نظراً لمعايشة الجيل الحالي لها..!
ففي 1989 للتأهل إلى كأس العالم 1990 لعبت مصر والجزائر في القاهرة.. وكان يكفي الجزائر التعادل لخطف البطاقة وفازت مصر بهدف.. فرمى الأخضر بللومي زجاجة على طبيب المنتخب المصري ففقأ عينه.. وحوكم بللومي غيابياً.
قبل مباراة الذهاب الأخيرة في الجزائر التي انتهت بفوزها 3ـ1 تم تسوية هذه المشكلة بدفع تعويض للطبيب.. ورفع الإنتربول الدولي الحظر على مطاردة بللومي.
.. لكن السؤال المطروح..
هل لهذه الأحداث علاقة بما حدث مؤخراً أثناء وعقب مباراة الفريقين الأخيرة؟ وهل هو امتداد لما سبق؟!
شخصياً.. وغيري يرى ذلك أن الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص براء من ذلك.. أو يجب أن تكون.
لأنها ـ أي الرياضة ـ محكومة بأنظمة وقوانين!
شاهدنا.. رغم التصعيد الإعلامي.. والجماهيري إلا أن مباراة القاهرة.. ومباراة الخرطوم سارتا بصورة طبيعية داخل الملعب.
لماذا..؟!
لأن هناك قانوناً يحكم المباراة.
قانون ينفذه الحكم على أرض الملعب..
وقانون ينفذه ويحميه (فيفا) خارجه..!!
المشكلة.. فيما هو خارج عن القانون.. وينفذه أناس خارجون على القانون..

المشكلة..
في عدم إدراك المسؤولية.. وفي البحث عن الذات.. والدخول في دائرة التعصب..!
عندما يخرج مذيع.. إعلامي محسوب على جهاز رسمي.. متهماً شعباً آخر بالتعصب.. والحقد.. والكراهية لشعبه.. ولغيرهم.. ويؤجج الشارع.. والجماهير.. بكلمات لا مسؤولة.. تدل على ثقافة ضحلة.. وفكر متدن.!
أو عندما يعطي الحدث أكبر من حجمه.. ويدعم على كافة المستويات لتحقيق ذات معينة.. من خلال مكاسب رياضية..
عندما يعيش البعض في بؤرة التعصب.. ويبحث عن مبررات يلقي من خلالها التبعية على أشياء أخرى.. تهرباً من الاعتراف بالخطأ..
عندما يحدث ذلك.. فمن الطبيعي أن تكون ردة الفعل بنفس الحجم.. وبنفس المقدار..
ولعلنا نذكر كيف كانت ردة فعل خسارة مصر من منتخبنا في كأس القارات بالمكسيك عام 99 بخمسة أهداف.. وكيف تم تصعيد الموضوع لمجلس الشعب.. واتهام الراحل عبدالله الدبل، إلا أن حنكة الأمير فيصل بن فهد ـ رحمه الله ـ كانت كفيلة بحل الموضوع!
ثمة طرق أربع يعبر من خلالها الإنسان.. والمتعصب بالذات عما في نفسه ومن أبرزها:
تعليل الفعل الصادر عنه بأسباب تبدو معقولة في نظر الآخرين.. حيث يعتمد على مجموعة من المبررات التي يبرر بها سلوكه أو خطأه ومنها..
الاجتهاد في الحصول على رغبة ما.. بدلاً من رغبة فشل في الحصول عليها.. مثل الشغب الحاصل من الجماهير بعد الخسارة.. أو إنهاء عقد المدرب.
سأتجاوز التفاصيل.. تاركاً ذلك لكم.. وربطه بالحدث..!
.. وإذا آمنا بالمشاكل الثنائية.. والتنافس بين الفرق.. فإنني أرى أن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم يتحمل جزءاً من المسؤولية بالطريقة التي يعتمدها في التأهل للمونديال .. حيث يصل الأدوار النهائية (الدور الثاني) عشرون فريقاً.. يتم تقسيمهم على خمس مجموعات يتأهل أبطالها إلى كأس العالم.
وأعتقد أن هذه الطريقة قد تظلم بعض الفرق، إذ أن الثاني في بعض المجموعات ربما كان أفضل وأكفأ من الأول في أخرى..
وأرى لو تأهل الأول والثاني للدور النهائي ولعبت بطريقة خروج المغلوب (الأوائل مع الثواني).. بطريقة منظمة حسب رؤية الاتحاد.. وهذه لن تؤثر على روزنامة الاتحاد.. إذ يمكن إقامتها جميعاً في يوم واحد.. أو يومين عقب الأدوار النهائية بأسبوع..
هذه الطريقة تضمن الجدارة..
وتبعد كثيراً عن الحساسية..

العرب..
والمسؤولية
على أننا كعرب كل اتحاد فيما يخصه.. وعلى الاتحاد العربي مسؤولية كبرى.. في وضع إستراتيجية واضحة للرقي بمستوى الكرة العربية.. بدلاً من النقاش حول أمور هامشية..
من غير المعقول.. أن يظل المنتخب الكويتي والمغربي.. بعيداً عن المنافسة.!
وأن يخسر البحرين بهذه الطريقة..
وتتقدم السعودية ببطء.. وتغيب عن ساحة المنافسة!
ولا يكون لمصر حضور في كأس العالم.
وأن تظل بعض المنتخبات العربية تحت خط الفقر الكروي ـ إن صح التعبير ـ
وأن يكون وعينا.. وثقافتنا.. بالفوز أو الخسارة تحت هذا الخط.!
والله من وراء القصد.