|


عبدالله الضويحي
الاستقالة وخلط المفاهيم..!!
2009-11-03
بعد خروج منتخبنا من التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم 2010 عن قارة آسيا إثر تعادله مع البحرين هنا (2ـ2) في التأهل للملحق.. تعالت الأصوات أصوات النقد للمنتخب.. بالتحليل أحياناً.. والتنظير في أخرى.. وطرح الحلول.. ورسم الاستراتيجيات.. وتجاوز الأمر المنتخب كفريق.. إلى الاتحاد كهيئة.. وإلى رعاية الشباب..كجهاز.. ولجانها.. ومسؤوليها.. و(غاب صوت العقل).. في بعض هذه الطروحات..! وهو أمر طبيعي لردة فعل مباشرة أشبه ما تكون بفورة الحليب.. وربما تراجعت في بعض آرائها.. أو على الأقل في حدة هذه الآراء..!! حتى أن البعض طالب باستقالة القيادة الرياضية والتنحي.. وإعطاء الفرصة لغيرها.. لقيادة الدفة..!
هذه المطالبة وإن صدرت من البعض.. بصورة مباشرة.. لكنها ـ وهذه حقيقة ـ صارت مادة دسمة في المجالس والاستراحات.. فالجميع صاروا محللين.. وباتوا منظرين..!! ووصل الأمر في بعض المنتديات إلى طرح البدائل.. وتشكيل جهاز رعاية الشباب من جديد..!! وإعفاء البعض.. وتنصيب آخرين وهي أمور لو أحالها المتابع الحصيف إلى صوت العقل.. ولغة المنطق.. لوضعها خارج دائرته..!!
يسألني.. سائل:
ولماذا.. بعث هذا الموضوع من جديد.. بعد طي صفحته..؟!
وأقول:
بالعكس..! فلازالت الصفحة مفتوحة.. وستظل.. والمهم.. كيف ومتى.؟!
لا أدعي.. ولن أدعي.. أن ما سأطرحه اليوم.. هو عين العقل.. وأنه الرأي الصحيح.. فحسبي أنني مجتهد.. لكنني أثق أن ردة الفعل حوله ستختلف تماماً.. عنها لدى كثيرين.. فيما لو طرحته بعد خروجنا من التصفيات مباشرة.!! ذلك أن البعض سيرى في ذلك الطرح نوعاً من التخدير الإعلامي.. أو النفاق الاجتماعي.. وقد يرى آخرون أنه إبحار ضد التيار.. أو ضد تيار معين.. كما قال نزار قباني:
(الحب مواجهة كبرى..
إبحار ضد التيار..
صلب.. وعذاب.. ودموع
ورحيل بين الأقمار..)
وأنا.. أدعي.. وبكل فخر.. أنه (حب) لهذا الوطن..!
والقضية ليست في استقالة (سلطان أو نواف) مع الاحتفاظ لهما بكل الألقاب..! ولا في المطالبة.. بذلك.. وهو ما أكد عليه الأمير نواف بن فيصل.. عندما قال حينها:
(نحن لا تزعجنا المطالبة بالاستقالة.. فلكل الحق في إبداء رأيه.. لكن المزعج هو لغة الطرح.. والنيل من الأشخاص في ذواتهم.. الخ).
وهذا هو الصحيح.. وهذه هي لغة الواثق من نفسه أولاً.. ومما يؤديه من عمل حسبه في ذلك الاجتهاد.. دون أن ينزه نفسه من الأخطاء..! ويطلب العون في تصحيحها.!!
والذي تابع الطرح الإعلامي والنقدي الذي أعقب خروجنا من التصفيات.. يلمس ذلك ـ ويلمس أيضاً أن بعضا مما تم طرحه أو تناوله لا يستند على أسس صحيحة.. وهذا ما يفقده قيمته لدى المسؤول ويساهم في إثارة البلبلة لدى الشارع الرياضي أو المجتمع بصورة عامة.. الذي يتأثر بهذه الطروحات.!!
وما أعنيه هنا.. لا يتعلق بالصفحات أو القنوات الرياضية فقط.!! ولكن حتى كتاب الأعمدة من الأكاديميين.. وبعض أساتذة الجامعات.. ممن لهم اهتمام بالشأن الرياضي من بعيد.. أو بالشأن الوطني.. والهم الاجتماعي.!!
فالمجال الرياضي أصبح خصباً لهذه الطروحات وغيرها.. ربما لأن هذا المجتمع يتمتع "بروح رياضية" عالية تتقبل الرأي.. والرأي الآخر.. وربما لأن مساحة الحرية التي يتحرك فيها أكبر من غيرها.. وهي الأسس التي وضعها الأمير فيصل بن فهد يرحمه الله الذي كان يؤمن بأهمية الإعلام ودوره.. وهو النهج الذي سار عليه الأمير سلطان والأمير نواف..!! وهو هامش يعترف (غير الرياضيين).. باتساعه بالفعل واستيعابه لكل الطروحات مما أعطى الفرصة لاستغلال هذا الهامش.!!
لم نقرأ.. أونسمع ـ على سبيل المثال ـ أيا من هؤلاء.. طالب باستقالة وزير طالب المواطن أن يتجه لأنواع رخيصة من الأرز.. والابتعاد عن النوع (الطيب).. عندما سألوه عن ارتفاع الأسعار؟!
أو أحدا طالب مسؤولاً مرورياً.. في التنحي لعدم قدرته الوقوف بحزم أمام خلل مروري واضح.. أدى ويؤدي إلى حصد الأرواح يومياً..
أو في الصحة.. والتعليم.. والعمل.. والحج. وغيرها من القطاعات الأخرى!!
لم نقرأ.. أو نسمع.. أن أياً من هؤلاء طالب مسؤولاً قيادياً أو وزارياً بالتنحي.. لأنه بقي في منصبه ردحاً من الزمن.. ربما ضعف.. أو أضعاف ما قضاه الرئيس العام لرعاية الشباب.. ونائبه.. دون أن يطور من عمل ذلك الجهاز.. أو يرتقي بمستوى الأداء فيه.!
كل ما يطرح هو مناقشة أو نقد لوضع معين دون مساس مباشر بالمسؤول.. كما هو حاصل ويحصل في الرياضة والشباب.. وكأن الأمر يتعلق بتصفية حسابات.. أو مشاعر مكبوتة.. وجدت الفرصة لأن تظهر على السطح في ظرف يساعد على قبولها.. وتلقيها.. أو على الأقل.. عدم الاعتراض عليها.!!
ونتيجة مباراة في كرة القدم من وجهة نظري ليست أكثر أهمية.. بل لا يمكن أن ترتقي إلى مستوى المساس بصحة المواطن.. أو سلامته.. أو كرامته.. ومستقبله..!!
فالأولى.. هي نتاج طبيعي لأي منافسة وما لم يتحقق اليوم.. يتحقق في الغد.. والتعويض فيها وارد..!! وهو مالا يرد في الثانية ويصعب تعويضه.!!
ولو أن.. ـ وما تجدي لو أن ـ كما أشرت في مقال سابق.. أقول لو أننا انتصرنا على كوريا الشمالية هنا في الرياض بدلاً من التعادل.. وتأهلنا لكأس العالم.. هل سترى النور هذه الانتقادات..؟!
وهل سنطالب بالاستقالة أو الإقالة.. وإعادة الهيكلة.. أم ستتحول الآراء بمقدار 180ْ درجة. علماً بأن الأوضاع هي ذاتها.. والهيكلة هي نفسها.. أم أنها.. ـ كما أشرت قبل قليل ـ أمور كامنة وجدت الفرصة لتظهر على السطح.؟!
وأنا هنا.. لا أطالب باستقالة أولئك أو إقالتهم.. أو أعني مسؤولين في مرحلة.. أو دورة وزارية معينة.. بقدر ما أطرح رأياً عاماً يتناول أي مسؤول في أي مرحلة.. أو دورة.!
كما أنني لا يمكن.. وليس لي الحق في التشكيك في نوايا هؤلاء الكتاب.. ومقاصدهم ورؤاهم المنطلقة من شعور وطني لكن بعد البعض منهم عن الشأن الرياضي وخفاياه.. يجعل البعض من هذه الآراء تفتقد للمعايير الصحيحة.
وكثير من الذين ناقشوا الوضع.. وطالبوا بحل اتحاد كرة القدم.. وتسريحه ولجانه.. والذين تناولوا رعاية الشباب كجهاز غاب عنهم أمران مهمان:

الأول
أن الوضع الرياضي في العالم قد تغير.. خصوصاً في كرة القدم.. وعلاقة الاتحادات الأهلية (المحلية) بالاتحادات القارية.. وبالاتحاد الدولي (الفيفا) وأطر هذه العلاقة..!
ولم تعد الجهات الرسمية في أي دولة تملك الحق.. أو القدرة على التدخل في شؤون الاتحادات أو حلها.. كما كان يحدث سابقاً ـ وكما يعتقد البعض ـ كاتحادات منتخبه بإشراف الاتحاد الدولي.. ولعل المتابع والمهتم بالشأن الرياضي لاحظ.. تعليق عضوية بعض الاتحادات الكروية لأسباب من هذا النوع.. وغيرها.. وتعطيل نشاطها الكروي..!!
ونتيجة مباراة.. أو خروج من تصفيات ليس مبرراً مقنعاً للتدخل في شؤون الاتحاد.. وسياسته ما لم تكن هناك أسباب ومبررات منطقية تستدعي ذلك ويقتنع بها الاتحاد الدولي.. ووفق شروط وإجراءات معينة..!
هذه ناحية..
والأخرى:
أن مجلس إدارة أي اتحاد.. في نظري دوره تشريعي.. أو بالأحرى.. رسم سياسات عامة واعتماد تشريعات معينة..
هناك لجان.. وفرق عمل دورها التخطيط وتقع عليها مسؤولية تنفيذ البرامج ورفع التقارير ومسؤولية المجلس مناقشة هذه اللجان.. والفرق.. ومحاسبتها.. عند التقصير..!!
الثاني
الأمر الثاني.. عدم فهم البعض للدور الحقيقي للرئاسة العامة لرعاية الشباب.. ورسالتها نحو المجتمع.. والخلط الكبير في المفاهيم بينها.. وبين الاتحادات الرياضية.. وبالذات اتحاد كرة القدم.
كرة القدم لا تمثل شيئاً بالنسبة لرعاية الشباب واتحادها مرتبط باللجنة الأولمبية.. شأنه شأن أي اتحاد آخر.. ويحصل على ميزانيته المقررة وفق لوائح اللجنة.
بل إن اتحاد القدم في الآونة الأخيرة.. وفي ظل التغير الكبير في مفهوم الرياضة.. ودخول الاستثمار إليها.. أصبح يمول نفسه ذاتياً.. بل وتجاوز ذلك إلى دفع معونات إلى الأندية..!! ثم إن الدوري نفسه.. أصبح مرتبطاً بهيئة خاصة به مستقلة تماماً عن الاتحاد.. كما تنص عليه الأنظمة الدولية.
رعاية الشباب.. تتولى مسؤولية إنشاء البنى التحتية.. من منشآت رياضية.. وصيانتها.. وغير ذلك.. لكنها لا تتدخل في الأمور الفنية أو تمارس دوراً ما.. في هذا الشأن.!!
ناهيك عن .. دورها الأساسي المتعلق بالبرامج الشبابية.. ونشاطاتها.. التي تضطلع بها وكالة شؤون الشباب.. والمعروفة لدى المتابعين.. وعبر الكتاب السنوي.. أو التقرير السنوي للرعاية.
هذا.. القصور في فهم طبيعة عمل كل جهة.. أدى إلى خلط في المفاهيم.. وبالتالي في الرسالة النقدية..
وعلى هذا الأساس.. لا يحق لنا.. أن نلغي جهود رعاية الشباب.. وما قدمته على مدى خمسين عاماً.. وخاصة بعد تحولها إلى رئاسة عامة.. عام 1395هـ 1975م وما أرسته من بنى تحتية.. وبرامج.. ولا جهود اتحاد القدم.. ونتائجه الإيجابية.. على مدى تاريخه لمجرد نتيجة مباراة.. أو عدم تأهل.!!
نعم..
رعاية الشباب لديها قصور في كثير من الجوانب..
وعليها مسؤوليات..
واتحاد القدم أيضاً كذلك..
والمسؤول يعلم.. ويدرك ذلك.. ويعترف به قبل الناقد..
والمطلوب.. هو كشف هذه الجوانب.. ومعالجتها والمساهمة في وضع الحلول.. وطرحها..
فالقضية..ليست سباقاً على النقد لكسب الرأي العام..
لكنها في الإجابة على تساؤلات مهمة..
ماذا ننقد..؟!
ولماذا..ننقد..؟!
وكيف ننقد..؟!
والله من وراء القصد