|


عبدالله الضويحي
2009 العودة إلى الوراء
2009-07-21
قبل ثلاث سنوات وتحديدا في عام 2006 وفي ألمانيا فاز المنتخب السعودي ببطولة العالم في كرة القدم للمعوقين ذهنيا .
وقتها فرحنا وهللنا وحق لنا ذلك وكان للبعثة وللفريق نصيبها من التقدير والتكريم على أعلى المستويات حيث استقبلهم خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله..
بعد ثلاث سنوات من فوزه بكأس العالم لا يعرف (بطل العالم) كيف يتعامل مع بطولة العالم؟ ومتى وكيف يقدم كشفا بأسماء لاعبيه، ويقدم ورقة بيضاء تفيد بالرغبة خالية من الأسماء، ثم يقدم الأسماء قبل انطلاق البطولة بأربع وعشرين ساعة فقط، وهو الذي يقيم معسكرا بالقرب منها منذ ما يقارب الشهر .
هذا التناقض أو هذا الكلام لم آت به من فراغ أو اجتهاد منى إذ لم اعتد في مقالاتي على هذا النوع من الأسلوب خاصة عندما يتعلق الأمر بطرح رؤى حول موضوع تحتاج فيه الحجة إلى برهان والبرهان إلى دليل، ولكنى استند فيه إلى حقائق ومصادر موثوقة ومقارنات بين أطراف القضية .
والقضية التي أعنيها هي ما أثير الأسبوع الماضي حول مشاركة منتخب المملكة للإعاقة الذهنية في دورة الألعاب العالمية المقامة في التشيك ومنعه من المشاركة وأسبابها .
على أنني سأبدأ بطرح وجهتي النظر لطرفي القضية وهما المنتخب السعودي واللجنة المنظمة ليكون القارئ والتابع على بينة .
المنتخب السعودي
بداية رفض أمين عام الاتحاد السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة ورئيس البعثة ما أثاره اتحاد "إيناس" بشطب الاتحاد السعودي من عضوية لاتحاد الدولي.
واتهم الأمين العام اتحاد "إيناس"بالكذب في إيراد الخبر وأنه ليس عضوا في اللجنة شبه الدولية (lbc) ولا يحمل أي صفة رسمية وأنهم لن يصوتوا لدخوله المنظمة الدولية .
وأكد على أن المنتخب السعودي هو الذي انسحب من المشاركة في الدورة بسبب مستوى الدورة السيئ ـ كما يقول ـ إضافة إلى وجود اختلاط بين الرجال والنساء وهو الأمر الذي يرفضه " ويضيف إنهم سيشاركون في كأس العالم القادمة ..
(انتهى كلام الأمين العام والذي تم نشرة في هذه الجريدة الثلاثاء الماضي).
اللجنة المنظمة
ووفقا لما أوردته الزميلة جريدة الجزيرة وبمتابعة من الزميل سامي اليوسف في عددها الصادر يوم الخميس الماضي (بعد 48 ساعة) فقد أكد المتحدث الرسمي للألعاب العالمية لذوي الاحتياجات الخاصة وعبر إجابة رسمية من اللجنة المنظمة للدورة على كثير من الأمور لكنني سأختصرها في بضع نقاط :
1ـ أن المنتخب السعودي لم يطرد من الألعاب، ولكن معظم تسجيلات رياضيي ولاعبي المنتخب السعودي لم يصادق عليها ولم تعتمد من (إيناس)
2ـ أن (إيناس) هي الجهة الرسمية المخول لها المصادقة على تسجيلات وطلب المشاركة في الدورة .
3ـ أكدت اللجنة المنظمة أن وثائق التسجيل مع ( إيناس) هي المعتمدة كشرط ضروري لمشاركة أي رياضي في الألعاب لهذا العام .
4ـ أكد المتحدث الرسمي على أنه (مع ارتفاع مستوى مسابقات من هذا النوع (المعاقين) علينا أن نكون حذرين للغاية لضمان أن تكون المنافسة عادلة في ظل الانتقادات بأن هناك أشخاصا يشاركون في مثل هذه الألعاب لا ينبغي أن يشاركوا فيها .
5ـ هناك دول أخرى غير السعودية لم يسمح لها بالمشاركة للسبب ذاته وهو عدم اعتماد وتأكيد سجلات لاعبيها .
6ـ بعد بدء الدورة بيومين خاطب الممثل الرسمي للدورة الوفد السعودي أن الاتحاد السعودي أو رئاسة الوفد قامت بإجراءات غير مقبولة .
وأن اللجنة المنظمة وجدت المنتخب السعودي غير مؤهل للمشاركة لعدم كفاية الوثائق للاعبيه وبالتالي لم يكن هناك خيار سوى رفض مشاركة المنتخب السعودي.
7 ـ قبل أيام من انطلاق الدورة قررت السعودية إدخال ورقة فريق في كرة القدم بدون أسماء ( بيضاء) وهذا أمر غير مقبول .
ثم وردت إلينا (إلى الدورة) قائمة بأسماء بعثة المملكة قبل يوم واحد فقط من انطلاق الألعاب واعتبر ذلك غير مؤهل لمشاركة المنتخب السعودي.
(انتهى رأي اللجنة المنظمة )
ومن خلال هذين الرأيين نخلص إلى عدة حقائق لعل من أبرزها
أولاً
بداية، وقبل كل شيء وبغض النظر عن أية أسباب أو مبررات فإن القول بأن انسحاب المنتخب السعودي جاء (بسبب ضعف مستوى الدورة ووجود اختلاط بين النساء والرجال وهو أمر نرفضه )
قول غير منطقي ولا يمكن القبول به
فضعف مستوى الدورة لا يبرر عدم المشاركة في بطولة تم السفر والاستعداد من أجلها.. ويمكن اعتبارها فرصة لإعداد الفريق لمنافسات رسمية، وإذا كان مستواها ضعيفا فهي فرصة أيضا للفوز بها والتغني بمجدها وتحقيق الذات من خلالها، كما هي عادتنا في بعض الأحيان، بل لو أن هذا حدث لتم امتداح مستوى الدورة وقوتها.

أما الاختلاط وهو ما نرفضه جميعا فإنني أتساءل عن نوعية هذا الاختلاط وكنا نتمنى من الأمين العام تفسيره.
هل النساء والرجال يقيمون في غرف واحدة ويتنافسون في مسابقات مشتركة ؟
الأمين العام وكل متابع يدرك أن هذا مرفوض في كل المسابقات العالمية .
المملكة تشارك في جميع البطولات والدورات العالمية والقارية مثل الألعاب الأولمبية، والألعاب الآسيوية والعربية وغيرها، وهي دورات تتضمن مشاركات نسائية فهل نسمي ذلك اختلاطا؟ ونحن نشارك بفرق رجالية فقط؟
إن العزف على لحن الاختلاط ربما كان لهدف يسعى من خلاله لدعم مبرر الخطأ، لعازف لا يجيد التعامل مع هذه الآلة أو قراءة النوتة.
ثانيا: لنقرأ جيدا ما ورد في رأي اللجنة المنظمة (أعلاه) وتحديدا النقاط 3، 5، 6.. ونعيد قراءتها جيدا عدة مرات.
إن ما بين سطور هذه الفقرات يؤكد على أن هناك علامات استفهام تدور حول أفراد المنتخب السعودي وعندما يتحدث البيان ورأي اللجنة عن (عدم أهلية) فهذه لها دلالات كثيرة.
ولعل تقديم قائمة خالية من الأسماء، ثم تقديم الأسماء قبل يوم واحد، ونفي علاقة (إيناس) بالموضوع وهو الجهة المعتمدة من الدورة لتحديد أهلية اللاعبين، فهذا يعني أحد أمرين:
ـ إما أن رئاسة البعثة وأمانة الاتحاد لا يفقهون في أنظمة ولوائح الدورة، أو لم يطلعوا عليها، وهي التي تم توزيعها على الجميع ـ كما هو متبع في كل البطولات.
ـ أو أنهم يعون ذلك ويدركونه ولكنها محاولة للخروج من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه.
والمؤكد.. ومن خلال ما سبق أن المنتخب السعودي تم استبعاده لعدم أهلية لاعبيه وأنه لم ينسحب بسبب ضعف مستوى الدورة ووجود الاختلاط.
ولكن المشكلة.. أننا وللأسف الشديد لا زلنا نعتقد أن بإمكاننا خلق المبررات وتمريرها على الآخر.
وهذا ليس حال اتحاد الاحتياجات الخاصة فقط، ولكن حتى في أندية أو اتحادات أخرى.
لا زلنا كمسئولين نمارس مع المتلقي ونتعامل معه بعقلية ما قبل ثلاثة أو أربعة عقود عندما كنا (كمتلقين) نصدق بمبررات التحكيم والأرض والأمطار، و.. و.. حيث لا نقل تلفزيوني ولا إعلام، وحيث كانت المباريات المحلية يتم تسجيلها ومن ثم بثها (إذاعيا) في اليوم التالي.
نمارس الفكر ذاته دون أن ندرك أن العالم لم يعد قرية كونية صغيرة فقط كما هي نظرية الإعلام، لكن هذا العالم أصبح بين أصابعك تديره كيف تشاء، وتتنقل في أرجائه كيف تشاء، وتحصل على ما تريد أين ومتى وكيف تشاء؟ وما تشاؤون إلا أن يشاء الله.
والله من وراء القصد

الجحلان.. والآلاف الخمسة
تعرفت على محمد الجحلان رحمه الله قبل حوالي 35 سنة وتحديدا في النصف الأول من ذي القعدة لعام 1395 ـ 1975، كان الوسيط في ذلك زميلي آنذاك الدكتور حاليا عثمان المنيع (عضو هيئة حقوق الإنسان).
كنت في ذلك الوقت طالبا في بداية مرحلتي الجامعية، ومحررا رياضيا في جريدة الجزيرة حيث بدأت العمل فيها مع بداية شهر شعبان من العام ذاته أما اللقاء فكان بهدف مفاوضتي على الانتقال للعمل مشرفا على الشؤون الرياضية (رئيس قسم) في جريدة الرياض.
لم يستغرق الحديث وقتا طويلا، حيث كنا الثلاثة في سيارته (الكورولا الحمراء الصغيرة) وفي طريق خريص حيث مقر جريدة الرياض.
كان العرض مغريا من الناحية المعنوية حيث لم نتحدث نهائيا عن النواحي المادية رئاسة قسم في جريدة الرياض (ربما الرابع في تاريخها)، وعقب أساتذة مثل محمد الجحلان ومحمد الوعيل حيث كانا يشرفان معاً على القسم ومن قبلهما تركي العبد الله السديري رئيس تحرير حاليا، ومن قبله محمد رمضان أول رئيس للقسم (محرر رياضي) وبينهما لمم، ربما لا يذكر.
أما معرفتي به رحمة الله عليه فقد سبقت ذلك عندما كان لاعب كرة طاولة في نادي الهلال مع زملائه صالح الجار الله (صالح سليم) وعبد الرحمن المحيا وغيرهم، وكان من عيوبه أو ميزاته الحماس الزائد الذي ينعكس سلبا على أداء زملائه.
ويبدو أن هذا الحماس طبع متأصل فيه انعكس على أدائه الصحفي حيث عرفته (قبل أن أتعرف عليه عن قرب) حيث اشتهر بالجرأة، والإثارة المصحوبة بالعقلانية والحقائق وهي مدرسة تركي العبد الله السديري التي تخرجنا منها جميعا.
ذات يوم وهي قصة معروفة وسبق طرحها في الإعلام.. كانت هناك مباراة بين الهلال والشباب، كان حارس الشباب عبد الله آل الشيخ، ويتهم بميوله الهلالية (رغم إخلاصه للشباب) فتم إغراء خمسة من لاعبي الشباب من قبل طرف ثالث بألف ريال لكل منهم بأن يتخذوا موقفا تجاه الإدارة بعدم مشاركتهم إذا شارك عبد الله، بحجة أنه قد يتخاذل.
رضخت الإدارة لمطلبهم وتم إشراك الحارس البديل وانتهت المباراة بفوز الهلال بخمسة أهداف.
وقتها كتب محمد الجحلان رحمه الله عنوانا بارزا (قصة اللاعبين الخمسة والآلاف الخمسة والأهداف الخمسة).
حيث كشف من خلاله ما تم قبل المباراة.
كان موضوعا مثيرا وجريئا، وناله رحمه الله ما ناله من المساءلة لكنه كان واثقا من عمله ومستندا على ما كتبه.
تعرفت عليه فيما بعد كزميل (أستاذ) اتصف بالإخلاص في العمل والصبر والقدرة على قضاء ساعات طويلة خلف المكتب والمتابعة يوم أن كانت الصحافة (غير الصحافة) واختلفت معه.
خرجت من الرياض بعد ثلاث سنوات ثم عدت لها مرة أخرى بعد خمس سنوات ولمدة خمس سنوات، واستمر تعاملي معه وغيره من الزملاء.
ثقافته وعطاؤه ومهنيته جعلته يصعد درجات السلم الصحفي بسرعة من رئيس قسم رياضي إلى سكرتير تحرير مساعد ثم مدير تحرير ثم نائب لرئيس التحرير وأحيانا رئيس تحرير بالنيابة في غياب الأستاذ تركي.
لكن محمد الجحلان ظل هو (محمد الجحلان) مهما تعددت مواقفه ومناصبه بمهنيته وصبره واحترافيته وقبل هذا كله بطيبته وقلبه الأبيض الذي لا يعرف الحقد أو تصفية الحسابات.
العمل الصحفي والمناصب القيادية معرضة دائما للاختلاف في وجهات النظر، ولتباين المواقف وهذا أمر طبيعي، لكن المهم عدم تأثير ذلك على العلاقات الشخصية وهو ما كان يتميز به.
رحم الله محمد الجحلان رحمة واسعة وغفر له، وألهم أهله وذويه ووالدته وزوجته الصابرة المحتسبة وأولاده وأشقاءه الصبر والسلوان وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والأبرار والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والله من وراء القصد.