|


أحمد الحامد⁩
نجم الحفل
2018-08-24
وجدت نفسي في سنة ما أعيش في منزلٍ صغيرٍ في ضاحية مدينةٍ بريطانيةٍ مع زميل دراسةٍ، فارقته بعد المدرسة الابتدائية، ثم التقيته صدفة في أحد شوارع لندن. لم أعرفه في البداية.. هو مَن استوقفني، وسألني: إن كنت أنا أحمد؟ فأجبته: نعم. احتضنني، وقال لي: أنا خالد. لم أتذكَّره إلا بعد أن ذكر لي موقعه في فصل المدرسة، وبعد أن ذكر لي اسم الطالب الذي كان يجلس إلى جانبه، حينها تذكَّرته..
كان طالبًا هادئًا ولا يشارك كثيرًا، لكنه يجيب عن أي سؤال يفاجئه به الأساتذة. جلسنا وتحدثنا طويلًا، والتقيته في اليوم الثاني، وودَّعته في اليوم الثالث، وعندما أوصلته إلى محطة القطار، قال لي: أعيش في منزل صغير، وفي مدينة هادئة، ما رأيك أن تأتي لزيارتي؟ لم أكن متحمسًا حينها لمدينة هادئة، لكنني بعد مدة شعرت بحاجتي إلى الهدوء. ذهبت إليه، وأخذت مجموعة من الكتب التي اشتريتها ولم أقرأها، وعندما وصلت تأكدت من وصف صديقي لمدينته، كانت أشبه بقرية ريفية، أما منزله فكان صغيرًا أنيقًا وهادئًا.

وصلت في الشتاء، وبدأت في القراءة، قرأت "امرأة القارورة" لسليم مطر، وكانت تلك المرة الأولى التي أبكي فيها متأثرًا بوصف مشهد في رواية، وقرأت مؤلفات الماغوط، ومنها "المهرج"، وطه حسين، وأمل دنقل، وكل ما كان لدي من كتب. ثلاثة أشهر ما زلت أذكرها جيدًا. على الرغم من هدوء أيامها إلا أنني كنت أعيش صخب الروايات والأفكار، ورقة الأشعار، كانت الكتب أفضل الأصدقاء الذين التقيتهم في تلك المدينة. ذات يوم من تلك الأيام، قال لي خالد: إن احتفالًا سيقام للطلبة، وأن المسؤول عن الاحتفال طلب منه أن يشارك فيه ولا يعرف بماذا يشارك؟ قلت له: ما رأيك أن تتحول إلى شاعر، وسأكتب لك ثلاث قصائد؟ لم أكن شاعرًا وما زلت، لكنَّ كتابة الشعر ليست بالعملية الصعبة، تكمن الصعوبة في أن تكتب ما هو متميز ومتفرد وذو قيمة عالية حتى تستحق هذا اللقب الذي لا يناله في الحقيقة إلا المواهب. جميعنا لعبنا كرة القدم، لكنَّ قلة فقط كانت متميزة، كذلك الشعر، المهم أنني تصرفت، وكتبت له ما تصورت أنه جميل آنذاك. كان خالد نجم الحفل، وكان محتالًا أيضًا.. لقد عبَّر بصوته ولغته الجسدية بصورة ماهرة وماكرة، واكتسب الكثير من المعجبين والمعجبات، ولاحقًا شعرت بالذنب كلما شاهدته يطيل محادثاته على الهاتف مع المعجبات على حساب دراسته. مضت على تلك الأيام سنوات طويلة.. اليوم أود أن ألتقي خالدًا صدفةً مرة أخرى ليدعوني إلى منزل صغير في مدينة هادئة، أشعر أنني في حاجة إلى الهدوء، ولدي الكثير من الكتب التي لم أقرأها بعد.