|


فهد عافت
الرغبة والهفوات والموهبة والغرور!
2021-11-13
ـ للدخول في عالم الفنّ والأدب، يحتاج الإنسان إلى موهبة. هذه بديهيّة. لكن الإبداع عمومًا، ضدّ البديهيّات!. لا يتماشى معها أو على الأقل لا يكتفي بها!.
الموهبة مثل وردة بحاجة إلى شوك لحمايتها!.
أحد أشكال هذا الشّوك اللازم هو الغرور!. الغرور بالموهبة نفسها!.
ـ إلى حدٍّ ما، يبدو لي أنّ الغرور نفسه إنما هو موهبة أُخرى!، مُصاحِبَة، أو يجب أن تكون، وأنْ تظلّ، مُصاحِبَة للموهبة الفنيّة، وإلّا فإنّ الطّريق الطّويل يصعب قطعه!.
ـ أُفكِّر في أمري: في سِنّ مبكّرة جدًّا كتبتُ الشعر. كنتُ وما زلت متيّمًا بالرِّتْم. همتُ بالأوزان والإيقاع والقوافي. كنتُ أعرف أنّي موهوب في هذا، وكنت مغرورًا بموهبتي هذه إلى حدّ كبير!. فجأة، وبعد سنين، توقّفت عن كتابة الشعر. بتحديد أكثر تبيانًا ووضوحًا: لم أعد قادرًا على التفكير بالشعر ومن خلاله بشكل يومي. نعم، لم أكن على مدى كل هذه السنين أكتب الشعر بكثرة، لكني كنتُ أحاول يوميًّا!.
ـ أتذكّر ذلك جيّدًا: كنتُ أحاول، باستمتاع لا نظير له، استثمار أيّ شيء، وكل شيء، لصالح قصيدة!. أقرأ وأكتب وأفرح وأغضب وأكره وأُحبّ، وأُخطئ وأرتكب أفعالًا حمقاء، وأُصيب، وأقوم بأعمال خير!، بقصد الوصول إلى قصيدة!.
ـ وكانت القصيدة تأتي، تتدلّل قليلًا ثم تتدلّى أخيرًا!.
وفجأة، لم تعد تفعل ذلك!. صارت صعبة، وهي في كل يوم تصعب أكثر وأكثر... وأكثر!.
ـ أفكِّر في أمري وأمرها: كلّ شيء في مكانه، الرّغبة والهفوات!. وبالنّسبة للموهبة، أظنني قمتُ بكلّ ما يلزم لصقلها أكثر وأكثر!. شيء واحد لم يعد في مكانه: لم أعُد مغرورًا بموهبتي!.
ـ أتلفّتُ إلى الوراء، وأقرأ المشهد من جديد: لم أكن مغرورًا بموهبتي بقَدْر ما كنتُ موهوبًا بغروري!. وكانت موهبة الغرور هي التي تَمُدّني بالطّاقة اللازمة!.
ـ متى عرفتُ أنني فقدتُ الغرور اللازم لكتابة الشعر؟! لا أدري بالضبط. ربما من اللحظة التي تغيّرت فيها صيغة الجواب وتزحزَحَت عن مكانها: كنتُ فيما مضى، لو سُئلتُ: هل تعتقد أنك شاعر مبدع أو رائع؟! لما أجبت بغير: طبعًا، دون شك، رائع ومبدع وأكثر!. اليوم، يُخجلني مثل هذا الرّد، ولا أجد فيه غير وقاحة ونفخة كاذبة، وكل ما يمكنني قوله: الحقيقة أنني كنتُ قبل الدخول في القصيدة بلحظات وأثناء الكتابة وبعد الانتهاء بقليل، أشعر بأنّ الدّنيا جميلة ورائعة ومعطاءة. وكان هذا الشعور يبهجني. وكافيًا لمدّي بسعادة من نوع خاص ونادر واستثنائي. ولأنني كنتُ مغرورًا، كنتُ أخلط بين الأمرين، فأحسبُ نفسي نادرًا واستثنائيًّا!، بينما: اللحظات التي عشتها هي التي كانت نادرة واستثنائيّة وليس أنا!.
ـ ومثلما تمّ إكرام الكذب بكذبة التلوين، فقيل: كذبة بيضاء!. أرى أنه من حقّ الغرور الفنّي أنْ يُكرَم بالتّلوين أيضًا، فنقول: غرور أخضر!. ذلك لأنّ غرور الفنّان بموهبته، يمدّه بالخصب، ويُعِينه على العطاء، ويدفعه إلى تجديد المحاولة، ويُغريه بالمزيد من التّجربة!.
ـ لم يكن القصد الحديث عن الشعر، كنت أريد مدخلًا لقول شيء بخصوص العودة إلى كتابة المقالة اليوميّة بعد إجازة طويلة تشبه الغياب والتّوقّف!. كنت، وما زلت، خائفًا من عدم قدرتي على الكتابة، ذلك أنّ الكتابة ليست “موضوعًا” فحسب، ولكنها طريقة تناول ذلك الموضوع، مهما كان صغيرًا وعاديًّا ولا يهمّ أحدًا سوى كاتبه، بل وبالذّات حين لا يهمّ أحدًا غير كاتبه!. الكتابة طريقة تناول للذات وللحياة معًا!. مع هذا الغياب الذي طال، كدتُ أفقد غروري بالقدرة على الكتابة!. وأظنّ مرعوبًا، أنّه قَلّ بالفعل!. لكنه لم ينعدم بعد!. فما دمتُ أضع هذه العلامة(!) بعد كل جملتين أو ثلاث أو أكثر قليلًا، فهو حيّ!. مرّةً، قرأتُ أنّ من يضع علامة تعجّب على عبارة يكتبها، كَمَن يضحك على طُرْفَة يبتكرها!. أعجبتني، حدّ الافتتان، تلك الالتقاطة الرائعة. التقاطة أشبه ما تكون باتهام أو دليل على غرور ما!. فليكن!.