|


فهد عافت
دروس الحب!
2021-12-08
ـ ما إن يتخرّج الطالب، ويتوظّف، ويستقلّ عن أهله، حتى يصبح عدم وجود أحد يُطالبك بالعودة إلى البيت لتناول الغداء أو العشاء أمرًا مُربُكًا!. في البداية لا يكون كذلك، بل وقد يكون العكس تمامًا، يشعر الشاب بالانعتاق والانطلاق، لكن بعد سنوات يصير الأمر مربكًا نفسيًّا، وبعد ذلك يصير محزنًا ومثار كآبة لا يدري مصدرها بالضبط!. تصير فكرة الزواج قائمة، وهي حتى حين لا تتصّف بالإلحاح، فإنها تمدّ رأسها في أي وقت تشاء، وتصنع فوضى داخليّة!.
ـ سُئل أستاذ الكوميديا فؤاد المهندس مرّةً عن هذا الأمر، فسحب آهةً طويلةً، وقال: “ياااااه… أنا من زمان.. محدِّش استناني على غدا”!.”
ـ من كتاب “دروس الحب”: “إنّ من الممكن، إلى حدّ يدعو إلى الإحساس بالخجل، تفسير سحر الزّواج بردِّهِ إلى شدّة بشاعة أنْ يكون المرء وحيدًا!،…، مِن هُنا، لا يكاد يكون مُفاجئًا أن نتعلّق بمن نجده حتّى إن لم يُحقِّق إلّا نصف المعايير التي ننشدها”!.
ـ من كتاب “عزاءات الفلسفة” تعرّفت على “آلان دو بوتون”. كاتب ساحر ولديه أسلوب وطريقة في التّشويق ليست لغيره من الكتّاب. والآن أنا في الصفحة “59” فقط من كتابه الآخر “دروس الحب”. وبالنسبة لي: الكتاب لا يُقرأ من عنوانه، لكنه نعم، يُمكن أن يُقرأ من أول خمسين صفحة!. بعدها تعرف ما إذا كنت أمام كتاب مُنتَظَر أم تُغلق الكتاب وتبحث عن غيره!. بعض الكتب تنجو من هذا الحُكْم بسبب قوّة أسماء أصحابها!.
ـ يمكنني إضافة كتاب “دروس الحب”، وضمّه، لمجموعة أطيب ما قرأت في كتب الحب. قرأت الكثير، ولكني حين أعدّ فسأقول أربعة: “شذرات من خطاب مُحِبّ” لرولان بارت، وكتاب الحب لبوسكجاليا، وطوق الحمامة لابن حزم، وهذا الكتاب الذي بين يديّ الآن “دروس الحب” لآلان دو بوتون!.
ـ مشكلة المواضيع المغرية تسويقيًّا، أنها مثل الحلوى يحوم عليها ذباب كثير من الكتّاب!. والبحث عن كتب قيّمة وممتعة و”أدبيّة” حقًّا، يصير مثل البحث عن إبرة في كومة قش!.
ـ ذكرتُ قبل قليل أنّ “آلان دو بوتون” يمتلك أسلوبًا، وطريقةً، للتشويق ليست لدى غيره. وفي كتابه البديع هذا كانت الطريقة: رواية!. الكتاب ليس رواية، بل التقاطات شفيفة وحصيفة لأدقّ تفاصيل الحب، لكنه اختار تمريره عبر حكاية “رابح وكريستن”!. يروي، ويتوقف فجأة، تستفرد بنا فقرة، لتنبيهنا بعودة المحلّل والمنظّر الفلسفي للمكان، وفي هذه الوقفة، يلتقط صاحبنا ممّا رُويَ لنا، جملة عابرة، يُسقط عليها الضوء بتركيز وعمق، ليرتعش في داخلنا شيء ما: بهجةً أو خوفًا أو طمعًا في مزيد!.
ـ شرارة الحبّ الحَدَس، وعلينا اعطاء التقدير والاحترام اللازميْن لمثل هذا الإحساس التلقائي. إذ ليس من السهل، ولا المتوفر دائمًا، ذلك الشعور المفاجئ تجاه شخص آخر نشعر من النظرة الأولى له بأنّه قادر على تقديم إجابة عن سؤال وجودنا نفسه!.
ـ بحماسة فلسفيّة يذهب الكتاب إلى تأكيد مدوٍّ: “ليس ما أَلِفْنا أن نُسميّه حبًّا إلّا بداية الحب، لا أكثر”!. وكأنّ الحب ليس فقط من النظرة الأولى، لكنه كلّه النظرة الأولى ليس إلّا!.
ـ كثير من فهمنا للحبّ و “الزواج” مُختَطَف ومكذوب!. ويمكن لهذا الكتاب مساعدتنا في فهم ذواتنا أكثر، عبر الحب. هناك أمور كثيرة بعد “النّظرة الأولى”، تحدّيات حاسمة، حبور وبهجة، وشكوك ورغبة، وضعف وخضوع وهيمنة، ومنطق، وملل، و…، و….!.
ـ شيئًا فشيئًا، تحلّ الأفكار محل الحواس، وسوف يتعيّن علينا تعلّم الدّرس: “الحب مهارة، لا فيض حماسة”!.