|


فهد عافت
نجوميّة!
2021-12-14
- الكثرة لا تقود إلا لكذب أو سكوت مُستسلِم!.
كان هناك خيار ثالث لكنني حين اقتربتُ منه متأمّلًا لقيته وهمًا!. خيار: الاتفاق الحقيقي التام مع هذه الأكثرية!. من المستحيلات لمثل هذا الاتفاق أن يتمّ!. لأنّ الأكثريّة هي تجمّع أقليّات، والأقليّات تجمّع أفراد، ومن الصّعب اتفاق عشرة أفراد “أحرار” على كل نقطة من ملء زاوية في كل أمر!، فما بالك بعشرة آلاف؟! فما بالك بمئة ألف؟! فما بالك بأكثر؟!.
- بمناسبة “مئة”: لا أتفق مع من يرى دوام كتابتها إملائيًّا “مائة”!. رسمها الإملائي هذا كان لضرورة وقد زالت!. كانت تُكتب “مائة” قبل وجود التنقيط والتشكيل والطباعة، وكان غياب رسم الهمزة على السطر، أو بوجودها لكن بخط يد على جِلْد، يمكنه تحويل الكلمة فتُقرأ “منه” بدلًا عن “مئة”!. ولأهميّتها في تدوين الحسابات، أُضيفت الألِف لإزالة اللّبس!.
- نرجع لموضوعنا: الكثرة تتطلّب الزيف والتزوير والكذب أو تسليم العقل للجمهرة بخضوع مهين!.
- الناس تعيش اليوم كثرة هي نفسها زائفة، وجمهرة وهميّة، حيث التجمّع عن بُعْد!، من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعيّ!.
- منذ أواخر الستّينات، في القرن الماضي، سقطت النجوميّة بالنسبة لأبطال السينما وعباقرة الغناء!. بقيت النجومية لكنها شيئًا فشيئًا اتخذت معنى آخر، تجاريًا بحتًا، أو حتى فنّيًا، لكنها قبل هذا التاريخ كانت نجوميّة وهّاجة تصل إلى حدّ التصنيم والعبادة!. لم يَعُد من الممكن اختراع وسامة وهميّة لـ”عماد حمدي”، مثلما لم يَعُد ممكنًا لفتيات رمي أنفسهن من “البلكونات” لرحيل مطرب، حتى لو كان أرقّ من عبد الحليم حافظ مئة مرّة!.
- وفي الأدب العربي، وأوضح معالمه الشعر، تشبّثت النجوميّة بمزاياها لفترة أطول قليلًا!. انتهت بمعناها الأسطوري، أو القريب من الأسطوري، برحيل نزار قبّاني، وأغلق رحيل محمود درويش الموضوع تمامًا!.
- ما أعنيه: ظلَّتْ النّجوميّة، لكن النجم لم يعد يتمتّع بمزايا الآلهة الأسطوريّة!. وهكذا إلى أن هبّت عاصفة السوشل مديا!. ما أنْ هبّتْ حتى صار الجميع نجومًا!. فإن لم يكونوا نجومًا، فهم في دائرة الحُلم بالنجوميّة، ولدى كل واحد منهم اعتقاد، ليس خاطئًا بالضرورة، بإمكانيّة تحقيقها!.
- ما الذي يعنيه هذا؟! إنه يعني غياب الجمهور “المسحور”، المكتفي بالجلوس على مقعد المتفرِّج!. الجميع في دائرة المنافسة!. ليس هذا بالأمر السّيّئ على كل حال، لكن فيه من السّوء ما سننتهي إلى ذِكْره!.
- قد يظن من يحظى بعدد كبير جدًا من المتابعين، اليوم، أنّه نجم. في هذه الحالة هو مُصيب ومُخطئ معًا وبالقدْر نفسه!. هو نجم، لكن مزايا النجوميّة تغيّرت، ومعانيها تبدّلت!. وهو نجم لكن بلا جمهور حقيقي، بل بعدد كبير من المنافسين فقط!.
-شخص لديه ثلاثة ملايين متابع، وآخَر لديه عشرة متابعين فقط، وهو يتابع الشخص الأول، هل يعني هذا أنه من جمهوره؟! حتى لو كان في ذلك جزء كبير من الحقيقة، فإن جزءًا لا يُستهان به من هذه الحقيقة نفسها يقول بالمنافسة!. إنهما يتنافسان أيًا كانت النتيجة!. صاحب العشرة متابعين يحلم بالوصول إلى الرقم الضخم، وهو متواجد للعمل على ذلك، ولسوف يسرّه كثيرًا، فيما لو سقط أكبر عدد من منافسيه، وانهارت أرقامهم!.
- لم يَعُد الاحتفاظ بصورة للنجم، بما في ذلك الصورة الخاصة، كنزًا، ولا مدعاة لمَسَرّة. صار على الصورة، بالضرورة، لنيْل الرِّضا أن تجمع بين النجمين: الأكثر شهرة والأقل شهرة!. ليس إلا..!.
- وبما أن الجميع صار منافسًا للجميع، فإن انتظار الزّلّة والخطأ، وتصيّد الهفوات، هو المتسيّد!. هذا ما يُفسِّر كثرة “الهشتاقات” وقدرتها على الجذب الغوغائي!. نجوميّة اليوم تفتقد إلى المُنتظَر منها: تفتقد إلى الحب!.