|


فهد عافت
لا تحذر صديقك!
2021-12-28
ـ لا أرى إلا أنها حكمة خائبة، تلك التي حُشِرت في وزن وقافية وجاءت تتهادى وليس فيها من الهدي شيء: “احذر عدوّك مرّةً.. واحذر صديقك ألف مرّة!… فلربما انقلب الصّديق فكان أعلمُ بالمضرّة”!.
ـ الصّديق من الصِّدق والإنسان من الأُنْس. ومن لا يأنس ولا يؤنِس ليس بإنسان، أو ليس بإنسان طبيعي!. ثم ما هذه المضرّة التي يتوجّب عليّ، خشيةً منها، أن أقضي حياتي كلها متوجّسًا حذرًا خائفًا من أقرب الناس؟!. من الإنسان الذي اخترته بعقلي وقلبي من بين كل خلق الله لأُصادقه؟!. ولماذا عليَّ قضاء حياتي على هذه الحال مرعوبًا من وعيد هذه الـ “فلرّبما”؟!.
ـ نعم، قد ينقلب صديق إلى عدوّ. الدّنيا لا تخلو من مثل هذه الانقلابات، لكنها حالات شاذّة، مُستثناة من الخطّ العام للحياة!.
ـ ثمّ أنّ هذا الصديق الذي أقضي معه عمري متردِّدًا مئة مرّة، حذرًا ألف مرّة، يكون أحمق وغبيًا وتافهًا إنْ هُوَ لم ينقلب عليّ!. حين يحدث مثل ذلك الانقلاب الشّاذ، ففي غالب الأمر يكون خطأي أسبق من خطئه!. أكون من الأساس اخترت بعقلي وقلبي الإنسان غير المناسب!.
تقول “جورج صاند”: العقل يبحث والقلب هو الذي يجد”!. وعليّ حينها مراجعة تفكيري ومساءلة مشاعري، لا أن أرمي باللوم على الصداقة نفسها!.
ـ أحذرُ صديقي، ويحذرني بِدَوْرِهِ، ونواصل الحذر ونضاعفه!. النتيجة المؤكَّدَة فقداننا لهذه الصّفة التي هي من أجمل صفات الإنسانيّة ومن أعظم نِعَم الله في الدّنيا: الصّداقة!. ما المُنتظَر غير ذلك؟! حين أحذره فلا أبوح بحقيقتي، ويحذرني فلا يبوح بحقيقة ما في نفسه، فإنه لا يبقى لنا إلّا أنْ نكذب على بعضنا البعض!. لا مجال لغير التّمويه والخداع أو الصّمت والتّوقّف عن الكلام!. أيّ ذَنْبٍ للصّداقة في هذا؟! نحن الذين فرّغناها من معناها العظيم، ودُسْنَا على “صابِرها”!. خنقناها “قبل الأمس وبالأمس واليوم” بحجّة الخوف من خنقها لنا “غدًا أو بعد غد”!.
ـ حتّى وإنْ…!. وعلى افتراض أنّ صديقًا خذلك، فالدّرس أنْ تُحسن الانتقاء، لا أنْ تحذر الأصدقاء!. تتلمذك على الحذر من الأصدقاء الآخرين إهانة لهم، وتدنيس لقلبك وحياتك!. أنتَ بذلك تنتصر للخاذِل!.
ـ أجمل ما قيل في الصداقة، شعرٌ لأبي تمّام:

وَقُلتُ أَخي قالوا أَخٌ ذو قَرابَةٍ؟!..
فَقُلتُ وَلَكِنَّ الشُكولَ أَقارِبُ!
نَسيبِيَ في عَزمٍ وَرَأيٍ وَمَذهَبٍ..
وَإِن باعَدَتنا في الأُصولِ المَناسِبُ!
وَلَم أَتَسَقَّطْ رَيْبَ دَهري بِرَأيِهِ..
فَلَم يَجتَمِعْ لي رَأيُهُ وَالنَوائِبُ!.