|


صالح الخليف
ضوء جديد
2022-10-07
تستهويني كتب الصحافة وأحبها وأعتبرها أجمل الإصدارات وأمتعها.. طبعًا لا أعني الكتب الأكاديمية التي تدرس بالمعاهد والجامعات والأكاديميات.. هذه يغلب عليها الجوانب المعلبة والنظريات البالية التي تريد أن تبقى الصحافة مهنة ثابتة، بينما هي تمثل الوجه الحقيقي للتغيير والتطور وتتابع أحداث الحياة..
أعني تلك الكتب التي ترسم وجهًا وضاحًا للسير الذاتية أو تجارب استثنائية أو نقل مجريات تاريخية مهمة أو تحليل وقراءة المعطيات والتحولات من وجهة نظر صحافية خالصة وخاصة.. قرأت عشرات الكتب في هذا الاتجاه وكلها أطربتني وألهمتني وساعدتني على رؤية الصورة الكبيرة من ثقب صغير.. إنني مدين لكل صحافي وضع تجاربه الشخصية في مؤلف وأعطاني قبسًا من نور أضاء لي عتمة الأوقات الصعبة والدروب الضيقة.. وآخر كتاب قرأته في هذه الغابة الفناءة بعنوان “حكايات من الأرشيف” للكاتب الصحافي المصري طاهر عبد الرحمن، وفكرة الكتاب للأمانة بعيدة تمامًا عن التقليدية أو الانطباعية أو حتى تناول حادثة فرضت نفسها على واقع الأشياء.. ذهب الكاتب المصري إلى زاوية مختلفة.. مختلفة تمامًا.. غاص في أرشيف الصحافة المصرية الثرية والصاخبة والمجلجلة واختار حزمة من الأخبار والمقالات وراح يطرح تفاصيل خفية عنها وعن سبب نشرها وأسباب تحريرها وكافة التداعيات التي أثارتها سواء قبل أو بعد أن قرأها الناس.. وكذلك المناكفات التي صنعتها سواء على المستوى الصحافي أو الاجتماعي أو الإداري.. فمثلًا روى طاهر عبد الرحمن السجال الأدبي المثير الذي دار بين كاتب نوبل الروائي المصري التاريخي نجيب محفوظ، والشاعر السوري الكبير نزار قباني على خلفية إحدى قصائده التي تتناول الشأن العربي بنقد قاسٍ.. فكتب محفوظ كلامًا طويلًا مهاجمًا القصيدة وصاحبها تحت عنوان: “قصيدة قوية وموقف ضعيف”.. لكن نزار المعروف بشراسته وعشقه لخوض المعارك الورقية رد بعنف هو أيضًا واصفًا نجيب محفوظ بالسذاجة الشعرية في مقال يحمل عنوان: “الشاعر يصنع القصيدة ولا يصنع القرار”.. وراح نزار يقارن بين كتابة القصيدة الملتهبة وكتابة الرواية الناعمة بقوله: “الرواية جلسة هادئة على مقهى الفيشاوي، أما القصيدة فهي عملية انتحارية” كأنه يقول وبثقة بدون خجل: أنا بطل مقدام ومقاتل شرس لأنني أكتب الشعر والقصيدة وأنت مجرد إنسان بسيط ومتواضع لأنك تكتب الروايات.. إنه كتاب يتلمس طريقًا مغايرًا مكتظًا بالأسرار والخفايا وحكايات لم تروَ من قبل.. أعادني الكتاب مجددًا للتساؤل عن غياب شبه تام للصحافة الخليجية والسعودية في هذا المسار الرحب والشيق.. عشرات من رؤساء تحرير الصحف في منطقة الخليج تستحق الأجيال القادمة معرفة الصعوبات التي نجحوا في تجاوزها والتفوق عليها.. إنها مهمة سهلة خاصة وهي لا تعتمد سوى على الذاكرة المحكية التي تتحول إلى صفحات يخلدها التاريخ..
مرة أخرى.. اكتبوا حكاياتهم أيها الصحافيون لتكون بمثابة المرجعية والأدلة الساطعة لمهنة صامدة أمام كل أعاصير التجديد.